ماذا حدث في مصر عام 332 ق.م ؟

كتبت : دينا منصور

كان عام 332 قبل الميلاد نقطة تحول شديدة التأثير في تاريخ الحضارة المصرية، حيث يرى المؤرخون أن هذا العام شهد بداية انحسار هذه الحضارة العظيمة التي ظلت مطمعاً للغزاة والمحتلين في العالم القديم.. هذا العام شهد دخول الإسكندر الأكبر مصر غازياً ومحتلاً بعدما نجح في طرد الفرس، وبعد هذا التاريخ فقد المصريون القدرة على استعادة حكم بلادهم وأصبحت جزءاً من الإمبراطورية اليونانية القديمة، ثم تعاقبت الإمبراطوريات بعد ذلك.. وظل هذا الحال قائماً على مدار قرون طويلة.. فما الذي جرى في هذه الأعوام؟ وهل استمرت الحضارة المصرية رغم أن الحاكم لم يكن مصرياً؟   

يقول الأستاذ الدكتور محمد حمزة الحداد، أستاذ الآثار المصرية، وعميد كلية الآثار جامعة القاهرة السابق، كانت الحضارة المصرية مطمعاً للعديد من المستعمرين والمحتلين كالرومان والفرس والهكسوس وغيرهم، وذلك نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، حيث تربط مصر بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وأيضاً لكثرة خيراتها وتوافر الموارد الطبيعية بها، وتحكمها في العالم القديم من حيث موقعها وحضارتها وعلومها، وكان دخول الفرس على وجه التحديد بداية التراجع للحضارة المصرية، ورغم نجاح مصر القديمة في صد هجمات الفرس إلا أن مصر سقطت في قبضتهم لفترات تاريخية في عهد الدولة الحديثة، حيث أن الانحدار الأخير للدولة المصرية القديمة جاء بعد الغزو الفارسي الأول عام 525 قبل الميلاد، في حين أنه من الصحيح أن الفرس حكموا مصر خلال الأسرتين 27 و 31. 

 ويضيف حمزة أن المؤرخين يرون أن الحضارة المصرية انتهت بدخول الإسكندر الأكبر مصر محتلاً عام ٣٣٢ قبل الميلاد، حيث نجح في إسقاط حكم الفرس وتكوين إمبراطورية عظيمة، لأنه قضى علي الفرس، وكان الفرس مسيطرين على العالم قبله من سنه ٥٣٩ قبل الميلاد حتى عام ٣٣٤ قبل الميلاد، فبدأ والده في القضاء على الدولة الفارسية في مصر وحلوا محلهم في حكم الدولة، وبذلك أصبحت مصر ضمن الدولة اليونانية الكبرى أو دولة “الإسكندر الأكبر”. وهناك من يرى أن المصريين فقدوا القدرة على استعادة الحكم بعد هذا التحول التاريخي الذي ساده الرومان والبطالمة، وهذا غير صحيح، لأنه لا يمكن قياس الماضي بمقياس الحاضر، لأن ظروف العصور القديمة لابد أن ندرسها في ضوء العصر نفسه، وفي ضوء القوة التي كانت تتمتع بها الدولة، لأن كل دولة قوية كانت تسعى لتشكيل إمبراطورية في ذلك الوقت. فمصر بعد الدولة الحديثة وتحديداً عند الأسرة العشرين دخلت في مرحلة من الضعف، باستثناء  مرحلة الأسرة السادسة والعشرين، حيث استردت مصر مكانتها مرة أخرى ولكن بعد ذلك مصر خضعت للفرس مرتين، وحكمها الليبيون وحكمها السودانيون فدخلت في مرحلة من مراحل الضعف الشديد. وعندما جاء الإسكندر، كانت مصر دولة محتلة من الفرس، فقام  بتحريرها، وأدخلها في نطاق الدولة اليونانية، فالنظام السياسي في هذه الفترة كان نظاماً يونانياً ولكن الحضارة المصرية لم تسقط، وإنما ظلت موجودة رغم أن الحكم كان يونانياً، وتطورت اللغة المصرية القديمه باستخدام اليونانية في الكتابة مع استمرار اللهجة الفرعونية.

ويؤكد حمزة أن أي حضارة تنتقل من مراحل ضعف إلى مراحل قوة، ومن مراحل ازدهار إلى مراحل انهيار، وأيضاً من مراحل رخاء إلى مراحل فقر. والحضارة المصرية ظلت كما هي على الرغم من أن الحاكم لم يكن مصرياً ولكنها امتزجت بالحضارة اليونانية والحضارة الشرقية، ولم يتم إلغاء الشخصية المصرية أو الهوية القومية بدليل أن كل المعابد ظلت موجودة كما هي، كما مارس المصري القديم طقوس حياته اليومية بصورة طبيعية.