د. طارق فرج: أخطاء فادحة في مسلسل أحمس والدراما الفرعونية يجب أن تحترم التاريخ!

حوار: حبيبة إيهاب

كانت وستظل مصر القديمة وحضارتها كنزاً لا يتكرر ولا يفني.. فقد استطاعت هذه الحضارة القديمة أن تبهر العالم بأكمله، وتجعله يقف صامتا مذهولا أمام تاريخها وأسرارها ولغتها، وكان فك رموز اللغة المصرية القديمة على يد جان فرانسوا شامبليون بداية الطريق لفك طلاسم هذه الحضارة، ورغم حالة الولع بهذه الحضارة إلا أن كل يوم هناك الجديد والمثير للجدل.. وقد شاهدنا موكب المومياوات وأزمة مسلسل “أحمس”واكتشاف مدينة مفقودة بكامل بقاياها في الأقصر مرورا بكل ما تبوح به كنوز سقارة.. وهو ما يدفعنا للعودة للمتخصصين، حيث التقينا الدكتور طارق فرج، كبير المرشدين السياحيين، والباحث في علم المصريات، فكان هذا الحوار:  

ما رأيك وتقييمك لبعض المسلسلات التاريخية التي تناولت تاريخ المصريين القدماء مثل مسلسل أخمس؟

مسلسل أحمس أثار ضجة كبيرة، فمن المفترض أن أي عمل روائي أو درامي أو وقصصي لا يخلو من حقائق ووقائع تاريخية، يأتي بها الراوي أو القاص، ويبني العمل الدرامي حول هذه الوقائع التاريخية الثابتة للعمل الدرامى، فهذا العمل نفسه لم يتم خدمته بشكل لائق من الناحية التاريخية، أو لم يحظى بالتمهيد التاريخى المناسب، ومثل أي عمل تاريخى ليس شرطاً أن يكون فرعونيا أو غير فرعوني يجب أن يتم مراجعته من قِبل المتخصصين فيما  يتعلق بالأحوال الاجتماعية والسياسية التى كانت فى وقتها ويدور حوله، أيضاً مسلسل “أحمس” تعرض لانتقادات من حيث الشكل والمضمون، فمن جانب  الشكل لابد أن يرتدي نجوم العمل ملابس تتناسب مع العصر، ولابد أن يرجعوا لهذا العصر التاريخى ويلقوا نظرة ويدرسون الشخصيات قبل تأدية الدور، فمثلا ماذا كانوا يرتدون من حلي ومجهوهرات، والتيجان حيث كان لكل تاج مناسبة معينة والنمس أو   غطاء رأس الملوك كان عبارة عن قطعة من  القماش بها  خطوط حمراء وبيضاء ويقوم بارتدائها الملوك فوق رأسهم وحدهم، ولكن من الأخطاء التاريخية أن نجد عامة الشعب من المصريين يرتدونها في العمل  فوق  رؤوسهم في العمل الفني، مع العلم أن هذه القبعات كانت مختصة بالملك فقط.  

وماذا عن مضمون هذا المسلسل من حيث الوقائع التاريخية؟

في الأعمال الدرامية مباح أن نستخدم بعض الخيال لتجميل العمل الفني، لكن ليس شرطاً  أن يكون هذا بشكل قوي، لكن المؤسف أنه يتم تزييف الوقائع التاريخية بشكل صادم.

تحدثت من قبل عن دراستك التي أجريتها عن حقيقة "فرعون موسى" فما الذي توصلت إليه؟

هذا البحث الذي أجريته كان كتابا باللغة الإنجليزية، وهو تحت النشر حاليا، وأيضا  أجريت بحثا فيه في عام ٢٠٠٧ والقيته فى الاحتفالية الدوليه لتكريم الأستاذ الدكتور عبدالحليم نور الدين، رحمة الله عليه، وكانت احتفالية دولية، وشارك بها علماء من كافة أنحاء العالم، وليس عربا ومصريين فقط، وأنا ألقيت البحث عن فرعون موسى على وجه التحديد، لأنه يقال أن هناك اثنين من ملوك الفراعنة عاصرا سيدنا موسى، فكان كل البحث منصبا على فرعون الخروج الأخير والأحداث التالية التي حدثت فى مصر، وقلت في هذا البحث أن فرعون موسى هو الفرعون أمنحتب الثالث وليس رمسيس الثاني، وللأمانة العلمية، منذ١٥٠عاما كان هناك عالم مصريات اسمه “ليب لاين” قال إن أحداث قصة سيدنا موسى تتناسب مع  أمنحتب الثالث دون أن يروي أي تفاصيل أو دلائل تؤكد ذلك، لكنني اشتغلت على هذه النظرية وقدمت من الدلائل التاريخية ما يؤكدها وذلك من التاريخ ومن القرآن والكتاب المقدس وآثار الشرق القديم، فهناك أدلة كثيرة جمعتها تفيد بأن هذه الملك هو فرعون سيدنا موسى، ومن الأدلة التي توصلت إليها أن أمنحتب الثالث كان رجلا ضخم البنيان وهو ما يتوافق مع الوصف القرآني، كما أنه صاحب أول تماثيل ضخمة في التاريخ، وهو الذي ابتدع هذه التماثيل في الحضارة المصرية، وكان صاحب تأثير شديد في حياة المصريين.

ما رأيك في دعوات تدريس اللغة المصرية القديمة في المدارس؟

اللغة المصرية القديمة هذا هو اسمها الصحيح، لأن الهيروغليفي عبارة عن  خط  من ضمن ثلاثة خطوط كتبت بها اللغة المصرية القديمة، فهناك الخط الهيراطيقي وهناك أيضا الخط الديموطيقي، والهيروغليفية مثل  حروف  المطبعة  في الجرائد والكتب، أما الهيراطيقي فهو الخط الذي يمكن للفرد كتابته بخط اليد، ويوجد على أوراق البردي، وهو خط “هاند رايتنج”، وليس حرف مطبعة مثل الهيروغليفية التي تكون البومة به    مرسومة بشكل دقيق ومطبوعة بدقة شديدة، والديموطيقي أكثر اختصارا من الهيراطيقي وتكاد العلامات تكون غير واضحة نهائيا  إلا للمتخصصين في اللغة المصرية، وأعتقد أنه سيتم تدريسها بالمدارس ولكن ستكون نبذة عنها، وهذا شئ جميل، فنحن نملك حضارة مميزة، ولابد أن يتشبع منها الأطفال، ولكن ليس تدريسا بالمعني الحرفي لأن الصرف والنحو والقواعد لن يستوعبها عقول أطفال هذه المرحلة، ولكن يكفي أن تكون لديهم خلفية عن الأبجدية والعلامات المختلفة، وبهذا ننمي الوعي الأثري والتاريخي للأطفال، فينشأ جيل لديه انتماء لبلده وحضارته.  

لماذا تبدو الأزياء الفرعونية مثيرة السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟

الأزياء الفرعونية ليست مجالا للسخرية على الإطلاق، ولكن الموضوع أثار ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا قمت بكتابة بوست تم انتشاره عبر الفيس بوك بأكمله، و كان عن الملابس الشتوي لدى الفراعنة، وقالوا إن المصريين القدماء دائماً يرتدون ملابس صيفية، وأنه لم يكن لديهم فصل الشتاء، فقمت بنشر بوست كامل عن الملابس  الشتوية للفراعنة، وفي أكثر من  لقاء تلفزيوني عرضت شكل الملابس الشتوية مصورة  للناس، فهم كان لديهم فصول السنة الأربعة الصيف والشتاء والخريف والربيع، وما أثبته  بالوقائع  مثلا  أن المصريين  كانوا يأتون بما يسمي بـ “الراكية” المشتعلة بالنيران ويجلسون من حولها، فهذا يعني أن هناك فصل شتاء، ولكن هذا ترسخ بسبب دور  الأفلام والصور التي تقوم بنقلها من غير تأكد، وهذا معتمد بشكل كبير على غياب المتخصصين.  

حضرتك كنت ذكرت أن من اكتشفوا مقبرة توت عنخ آمون سرقوا منها بعض المقتنيات النادرة.. فما حقيقة ذلك؟

من المؤكد فهذه حقائق لأنه تم إجراء تحقيقات عندما توفي  اللورد كارنرفون وهو الذي قام بتمويل عمليات الحفر، وقد وجدوا في منزله قطعا أثرية كثيرة، وأذكر أن مجلة آخر ساعة أجرت تحقيقا عن هذا الموضوع في فترة السبعينيات، وجاءوا بحفيد اللورد وهو معه قطع كثيرة  من آثار توت عنخ آمون، وهذا الرجل كان يحتفظ بها لأنه صرف أموالا طائلة عليها، ولكن هناك أشياء صغيرة كثير  تمت سرقتها تم الكشف عنها بعد ذلك، وهذه حقائق وليست خيالا، لكنها قطع صغيرة في صورة تمائم وجعارين وأشياء من هذا القبيل وليست قطعا كبيرة.  

 

ما هي حقيقة العثور على أجنة أطفال في مقبرة توت عنخ آمون؟ وأين يتم حفظ هذه الأجنة؟

وجدوا بالفعل إثنين من الأجنة لطفلين في أحد أركان المقبرة، وقيل إنهما كانا من أبناء توت عنخ آمون، لكن هناك حكاية منتشرة في عاداتنا إنه عند دفن طفل في نفس القبر يشفع لمن هو معه وكل هذا ليس له أساس من الصحة ولا له أصل في الإسلام، ولكن له أصل عند المصريين القدماء ونحن ورثنا عنهم هذه العادة، وقد تم الاحتفاظ بهذه الأجنة لعقود طويلة في مخازن قصر العيني ثم تم استخراجها لإجراء دراسات عليها في السنوات الأخيرة.