من كرسي الوزارة إلى حفائر دندرة.. "الدماطي" يكشف أسرار رحلة البعث والخلود

حوار: نورهان عماد

يقود الدكتور ممدوح الدماطي، أستاذ الآثار بجامعة عين شمس ووزير الآثار الأسبق، جهوداً عظيمة من خلال قيادته لبعثة أثرية تعمل في محيط معبد دندرة بمحافظة قنا للكشف عن أسرار رحلة البعث والخلود عند المصريين القدماء، حيث اكتشف مؤخراً تمثالا لأبي الهول في الحفائر التي تجريها البعثة في هذا الموقع، وهو الاكتشاف الذي أثار اهتمام العالم مؤخراً، وبعيداً عن هذا الكشف الأثري فإن الدكتور الدماطي قدم لنا معارف مهمة حول مصر القديمة وأشهر ملكات مصر وأصل الملكة نفرتيتي، ورغم أنه ترك كرسي الوزارة قبل سنوات إلا أنه يواصل عمله البحثي والاستكشافي بكل شغف، وهو محور حوارنا معه حيث التقيناه في مكتبه بجامعة عين شمس، فكان هذا الحوار:  

ما الأهمية الأثرية والتاريخية لاكتشافك تمثال صغير لأبي الهول قرب معبد دندرة بقنا؟

هذا الاكتشاف تم في موقع يجري فيه الحفر لأول مرة، فالموقع له أهمية كبيرة، لأنه متاخم لمعبد دندرة بقنا، والنصوص الخاصة بمعبد دندرة تشير إلى العلاقة بين هذا المعبد ومعبدين آخرين بجواره، وهما معبد حورس ومعبد أوزوريس، فهذه المنطقة تضم معابد كبيرة تتصل بالعبادة والطقوس والحياة الآخرة ورحلة البعث والخلود عند الفراعنة، وبالتالي كان من المهم أن نعمل حفائر في هذا المنطقة، وقد بدأنا الحفائر في هذا الموقع بعمل مسح ثم تصوير بالماجريت وتصوير بالرادار، حتى نرى ما تحت الأرض ونعرف نتعامل معه، والحقيقة أن أنظمة الحفائر الحديثة تستخدم التكنولوجيا الحديثة، مثل القياسات بالرادار وبالجهاز المغناطيسي، بالإضافة إلى الشواهد الأثرية، حيث يضم هذا الموقع شواهد أثرية نتعامل معها، حيث يوجد بجوار بوابة حورس مقصورة صغيرة غير متكاملة لإمبراطور إسمه  “كلاديوس”، وهذا الإمبراطور  حكم في منتصف القرن الأول الميلادي، وقد اكتشفنا أنه ينتمي للعصر البيزانطي، وأثناء أعمال الحفائر وجدنا ما يشبه الحوض وبداخله تمثال لأبي الهول، ووجود تمثال أبي الهول في هذا المكان يعني أنه مرتبط بطقوس خاصة، لأن هناك ما يسمى بتماثيل أبو الهول الطقسية، أي التي لها علاقة بالتعبد أو بالديانة التي كان أهل المنطقة يؤمنون بها، لكن لماذا تم دفنه في هذا المكان وبهذه الطريقة وفي هذه الفترة، هذا ما نحاول الإجابة عليه.

ما جهود البعثة الأثرية التي ترأسها في منطقة دندرة؟ وما أهم الاكتشافات التي عثرت عليها؟ ولماذا وقع اختيار البعثة على هذه المنطقة؟

أهمية الموقع أنه جديد بالنسبة لأعمال الحفائر، كما أن رسالتي للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه كانتا عن معبد دندرة، ومن خلال النصوص الخاصة بالمعبد أعرف أن هذا الموقع مهم جدا، ولم يتم العمل فيه من قبل، وبالتالي فأنا أترأس أول بعثة تعمل في المنطقة، ومعنا فريق عمل متكامل بالتعاون مع المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، حيث يوفر لنا أجهزة الرادار والأجهزة المغناطيسية، بالإضافة إلى فريق العمل الأثري والحفارين والمصورين، ومعنا أيضا مرمم وأخصائي دراسة فخار، والحقيقة أن الموقع واعد وسيقدم المزيد من الاكتشافات قريبا.  

تحدثت في أحد لقاءاتك عن دور ملكات مصر في العصر القديم وخاصة حتشبسوت وكليوباترا السابعة؟ كيف كان هذا الدور؟

أولاً أنا أصدرت كتابا إسمه “ملكات مصر” قصدت به الملكات التي حكمت أو السيدات اللائي جلسن على العرش ومارسن السلطة والعمل السياسي، وليس مجرد ملكة لأنها زوجة ملك، فأنا لم أتحدث مثلاً عن الملكه نفرتاري زوجة رمسيس الثاني، وإنما عندنا حوالي ٢٢ سيدة جلسن على عرش مصر، أولهن الملكة ميريت أم الملك دِن من الأسره الأولى، وهذه حكمت مصر قبل حوالي ٣٠٠٠ آلاف سنة قبل الميلاد، أي منذ ما يقرب من ٥ آلاف سنة تقريباً، وهذا ما يعكس مكانة المرأة في مصر القديمة، وكيف كانت قادرة على أن تصل إلى الحكم، أيضاً الملكة حتشبسوت كانت أقوى الملكات، وكانت أقوى إمرأة على الإطلاق وقد حكمت حوالي ٢٢ سنة منفردة تقريباً ودورها السياسي والاقتصادي والمعماري والدبلوماسي في مصر كان مهماً جداً، أما الملكة كليوباترا فهي أهم ملكة في العصر البطلمي، وبالتالي لو قولنا أشهر ملكة في العصر الفرعوني سنقول الملكة حتشبسوت، ولو قولنا أشهر ملكة في العصر البطلمي سنقول الملكة كليوباترا السابعة، أما أهم ملكة في العصر الإسلامي فهي السلطانة شجر الدر، وبالتالي عندنا سيدات حكمن مصر، وكان لهن دور كبير جدا ومؤثر في الحضارة المصرية.

لكن كيف كانت وظيفة السحر في مصر القديمة؟ وكيف وظف الفراعنة السحرة في تشديد الرقابة والحراسة والغموض حول مقابر موتاهم وكنوزهم؟

نحن نعرف أنه كان هناك سحر في مصر القديمة، وكانت هناك نصوص وكتابات سحرية، كما كان هناك علاج بالسحر، والقرآن الكريم تحدث عن السحرة وقصتهم مع سيدنا موسى عليه السلام، لكننا لا نستطيع أن نقول أنهم كانوا أنهم كانوا يتحكمون به في العالم، فالحكم كان يتم  بالسياسة والقوة والدين والعقيدة، أما السحر فكان موجوداً كعمل جانبي.

هل توصلت في أبحاثك لجذور الملكة نفرتيتي؟ هل كانت مصرية أم أجنبية؟

الملكة نفرتيتي كانت مصرية صرف، والإدعاء بأنها أجنبية هي مزاعم كاذبة، ومع ذلك هناك رأي يقول أن إحدى السيدات تم ضمها لقصر الملك أمنحوتب الثالث وتزوجها ابنه إخناتون، وأنها جاءت من مكان بعيد، وحاول أصحاب هذا الرأي يؤكدوا ذلك من خلال اسم نفرتيتي نفسه، حيث يعني اسمها “الجميلة أتت”، لكن لم تدلنا الكتابات عن أي معلومات موثقة في هذا الشأن، والمؤكد أنها سيدة مصرية من جنوب مصر.

لكن لماذا حظيت المرأة في العصر الفرعوني بهذه السلطة؟

حظيت بهذه السلطة بسبب ارتفاع مكانتها وعلو قدرها، فأهمية المرأة في العصر الفرعوني أنها ارتبطت بالإلهة إيزيس، مما يعني أن المرأة كان لها مكانة العبادة في مصر القديمة، وهناك معبد كامل لإيزيس ومعبد كامل لحتحور ومعبد كامل لميريت، وبالتالي نحن نتكلم عن صورة معينة للمرأة عند المصريين القدماء، وكان الناموس الإلهي عند الفراعنة يتكون من ثالوث أوزوريس وإيزيس وحورس، وبالتالي فإن من يحكم هو أوزوريس وخليفته، ورغم ذلك لم تكن هناك غضاضة أن تجلس إيزيس على العرش لحماية عرش ابنها حورس، وهذه كانت الرؤية التي سيطرت على كليوباترا السابعة، حيث إنها كانت تربط نفسها بإيزيس دائماً.

لماذا وصفت الملكة كليوباترا بأنها كانت ساحرة وأنها كانت تستطيع أن تحكم العالم بالسحر؟

أنا لم أقل ذلك، وهذه أكاذيب يتم نشرها على لساني، وليس لها أي أساس من الصحة.