رحلة البحث عن أسرار اللغة الفرعونية في حوار مع مؤلف المعجم الهيروغليفي

حوار: هاجر عامر - دينا منصور

لا تتوقف اللغة المصرية القديمة عن البوح بأسرارها، فهي لم تكن مجرد علامات وطلاسم دونها الفراعنة على جدران المعابد وأوراق البردي، وإنما كانت وستظل هذه اللغة جزءاً مهما من حياة المصريين على مر العصور، لدرجة إننا بلاشك نتحدث بأكثر من 70% من مفرداتها وكلماتها حتى الآن وفقا لأغلب الباحثين، فالكثير من الأقوال المأثورة والتعبيرات الشعبية والكلمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية، تحدث بها المصريون الأوائل قبلنا بآلاف السنين.. هذا ما كشف عنه الدكتور سامح مقار، الباحث الكبير في اللغة المصرية القديمة، وأحد أبرز العلماء المتخصصين في هذه اللغة، وصاحب العديد من المؤلفات التي كشفت لنا بعض أسرار وطلاسم اللغة المصرية القديمة والتي منها “المعجم الوجيز هيروغليفي عربي”، في السطور التالية التقيناه، فكان هذا الحوار:  

هل كانت هناك محاولات جادة لفك طلاسم اللغة المصرية القديمة قبل شامبليون؟

في الحقيقة أنا كباحث أحتفظ في ذهني بآلاف العلامات من اللغة المصرية القديمة، وقمت بعمل أربعة قواميس، أحدهم يقع في جزأين ويضم ألف صفحة، وقرأت كثيرا في هذا المجال، أتعجب بعد كل ذلك من قصة محاولات العرب لفك طلاسم اللغة المصرية، فإن كان المقصود المؤلف العربي “إبن وحشية النبطي” فقد قرأت الجزئية الخاصة بالعلامات المصرية والتي تحدث عنها في أحد كتبه، ولاحظت أنه لا توجد أي علامة توصل الرجل لصحة صوتها، كما وجدت علامات ليست لها علاقة أصلا باللغة المصرية القديمة، ومن هنا أقول أن العالم شامبليون هو صاحب الفضل الأول في فك رموز اللغة المصرية القديمة، ويجب علينا أن نتخلى عن فكرة التعصب للعرق والجنس العربي في العلم حتى لا ننكر فضل من لهم علينا الفضل.

لكن هناك مراجع ومؤلفات تاريخية تتحدث عن استعانة شامبليون ببعض رجال الدين الأقباط لفك بعض رموز هذه اللغة؟

لم يقل لنا أحد بالضبط كيف ساعد رجال الدين العالم شامبليون ومن أي جهة، فإذا كان هناك من يحاول أن ينسب بعض المجد للعرب في فك الرموز المصرية القديمة، فعلى الجانب الآخر هناك من يحاول أن ينسب الفضل بطريقة مشابهة لكاهن يدعى “يوحنا الشفتشي” حيث يُقال أنه ساعد شامبليون في فك الرموز، بينما الطريقة التي استنبط منها شامبليون الحروف الأولى بمقارنة خرطوشي (بطليموس) و (كليوباترا) لا تحتاج مساعدة من أحد، بل عبقرية هذا الشاب.. وهي مربط الفرس، أما إن كان قد استعان بأحد أو أي مراجع فيجب أن يؤخذ هذا الكلام من فم شامبليون نفسه لو قاله. وهي النقطة التي لا أعيرها اهتماما أبدا، ولا أبحث خلفها. شامبليون كان موهوباً ويتقن عدة لغات، ومحاولات التقليل من فضله هو نكران للجميل. فإن كان يوحنا الشفتشي أكثر علما، لماذا لم يقم هو بذلك؟!.

وأضاف المنشاوى أن بردية وزيري مكتوبة بالخط الهيراطيقى وهو ثاني خطوط الكتابة المصرية القديمة، وهو اختصار بسيط للكتابة الهيروغليفية، والحقيقة أنه يوجد عدد كبير من البرديات التي تكشف تفاصيل الحياة في مصر الفرعونية، ومنها برديات طبية مثل بردية “أيبرس”، وكذلك يوجد بردية “آنى” ومكتوبة بالخط الهيروغليفي وتضم مناظر مرسومة وملونة وتعود لعصر الدولة الحديثة فى مصر القديمة، وتضم مجموعة من النصوص الدينية، و”كتاب الموتى”، والذى كان يحتوى على نصوص تساعد المتوفى فى العالم الآخر وهي بردية تعود لآني كاتب طيبة.

لكن هناك مراجع ومؤلفات تاريخية تتحدث عن استعانة شامبليون ببعض رجال الدين الأقباط لفك بعض رموز هذه اللغة؟

هل تم فك كل ألغاز اللغة المصرية القديمة؟ أم أن هناك طلاسم وأجزاء مفقودة لم يتم التوصل إليها إلى الآن؟

هناك عدة إشكاليات في اللغة المصرية القديمة، أولاً هناك بعض المفردات لا تزال ترجمتها غامضة للآن، ثانيا هناك بعض المفردات، معروف معناها ولكن النطق غير مؤكد، ثالثاً هناك بعض العلامات في اللغة المصرية القديمة غير معروف كنيتها (أي ماذا تمثل في الطبيعة) بعكس باقي العلامات التي تم اكتشاف طبيعتها كونها آلة أو خبز أو جزء من معبد أو حشرة أو نبات أو حيوان.. إلخ، رابعا نحن  نفهم الأساطير المصرية بطريقة غير دقيقة، فبعضها يتحدث عن أسرار علمية عميقة جدا ولكن مازالت للآن ترجمتها ساذجة، وأخيراً هناك بعض العلامات توصلنا إلى ماذا تمثل بالتقريب، ولكننا لا ندرك بدقة الرمز الذي قصده جدودنا، فعين حورس مازالت لغزاً محيراً ولا يستطيع أحد للآن تفسير سبب كونها تساوي ٦٣ جزء من ٦٤ جزء، ولماذا تستخدم أجزاءها (كأوزان) في البرديات الطبية كعلاج، كل تلك النقاط وغيرها، أبحثها منذ أكثر من عشرين عاماً، وسأحاول الإجابة عليها في مؤلفي القادم (رسائل من حتشبسوت) الذي سيمثل نقلة نوعية في علم اللغة، وعلم المصريات حسب اعتقادي.

ما هي الصعوبات التي يمكن أن تواجه أي شخص يريد تعلم اللغة المصرية القديمة؟

أهم الصعوبات التي تواجه أي دارس للغة المصرية القديمة، هي سيطرة الأجانب على هذا العلم، حتى أننا قد ندور في فلكهم ونفقد منطقية الترجمة نتيجة لعدة عوامل منها على الأقل اختلاف الثقافة.. وأسوق المثال التالي، هناك كلمة “سخن” أو “سقر” تترجمها القواميس visit أي (يزور)، بينما الترجمة الدقيقة هي (يشقر)، والأخيرة تعني (الزيارة بغرض الاطمئنان والمعاونة) وهي مفردة لا تخطر على بال الأجنبي. أيضا قد نجد كلمة مصرية يحتار القاموس في ترجمتها رغم اقترابه من المعنى فيحتار هل هي (يثقب؟ أم يصدم؟)، بينما الترجمة الدقيقة (يطقش) وفيها المعنيان (الصدم بغرض الكسر أو الثقب). كما أننا نتبع طريقة الأجنبي تماما في الترجمة، فيقوم معظم الباحثين بترجمة “ماع خرو” بمعنى (صادق القول) بينما الترجمة الاحترافية هي (مبرأ، برئ)، تماما مثل كلمة breakfast هل نترجمها (كسر صيام) أم (إفطار).

الترانيم والتراتيل القبطية.. كيف حافظت على اللغة المصرية خاصة فيما يتعلق بالعلامات الصوتية وعلامات الكتابة؟

لا شك أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد ساهمت في الحفاظ على اللغة القبطية من خلال تسليمها للألحان القبطية والنصوص الدينية من جيل إلى جيل، بالإضافة للدراسات المستمرة من الباحثين الأقباط، والقيام بتأليف وإعداد القواميس القبطية، وتعليم اللغة للشعب القبطي في سن مبكر مما خلق جيلاً صاحب ثقافة مميزة في تلك اللغة. وللقبطية فائدة عظيمة في التعرف على علامات التشكيل التي لم تظهر من خلال النطق الاصطلاحي للغة المصرية القديمة. فعلى سبيل المثال نجد كلمة “نفر” المصرية بمعنى (جميل)، لابد من قراءتها (مضمومة النون) كما تظهرها القبطية “نوفر”، وهناك أمثلة متعددة أوردتها في مؤلفي الأخير (أصل أسماء البلاد من لغة الأجداد)، نشر دار الشواهين، تظهر فائدة الاعتماد أحيانا على القبطية في فك ألغاز اللغة.

 

هل اتفقت قواعد اللغة وعلاماتها بين مصر العليا والوجه البحري؟ وكيف حدث هذا الاتفاق؟ أم أن كل إقليم كان له أسلوب الكتابة الذي يكتب به؟

لا توجد أي أبحاث للآن تثبت اختلاف في طريقة الكتابة طبقاً للتوزيع الجغرافي، بل تطورت طريقة الكتابة طبقاً للعصر، فهناك اختلاف طفيف بين طريقة الكتابة في الدولة القديمة عن الدولة الوسطى، حتى صار الاختلاف على أشده في العصر البطلمي، حتى أن معظم العلامات تغيرت أصواتها تغيراً حاداً وظهرت علامات مستحدثة، لدرجة أن هذا العصر يحتاج لدراسة مستقلة لمن تعودوا على كتابة الدولة الوسطى لقراءة وترجمة النصوص.

لكن هناك مراجع ومؤلفات تاريخية تتحدث عن استعانة شامبليون ببعض رجال الدين الأقباط لفك بعض رموز هذه اللغة؟

بالطبع اللغة المصرية القديمة موجودة حولنا في كل مناحي الحياة، من أول الأكلات مثل (طعمية وفلافل وبصارة) مروراً بكل التعبيرات الشعبية مثل (يادالعادي) و (يعمر الطاسة) و(منقوع البراطيش)، وقد قمت بعمل مؤلف خاص تحت إسم (رحلة التعبيرات والمعاني، نشر مركز الحضارة العربية)، وقد نتاولت فيه كل هذه الأمور، كما نجد معظم أسماء البلاد حولنا شمالا وجنوبا تحمل أسماء مصرية قديمة حتى أنني خصصت أيضا مؤلفاً مخصوصا لأسماء البلاد أطلقت عليه إسم (أصل أسماء البلاد من لغة الأجداد،  نشر دار الشواهين)، وحاولت فيه أن أقدم للباحث أيضا قواعد لغوية جديدة من خلال أسماء القرى والمدن المصرية، وهو موضوع شيق جداً وخصوصاً أن هناك أسماء تثير الدهشة لقرانا المصرية مثل قرى (زاوية رزين)، (هرية رزنة)، (زفتى)، (قمن العروس)، وغيرها العشرات بين دفتي الكتاب.

 

ما أبرز المفردات العامية التي ذكرتها في كتابك أصل الألفاظ العامية الذي قمت بتأليفه؟

من أهم المفردات التي ذكرتها بموسوعة أصل الألفاظ العامية من اللغة المصرية القديمة، وهي ثلاثة أجزاء نشرتها هيئة الكتاب، لفظة (مزقطط) بمعنى (شديد الفرح) وشرحت علاقتها بالأساطير المصرية القديمة وقارب المعبود “رع”، كما أعتز بتعبير (يادلعادي) المنتشر بين أمهاتنا بالمناطق الريفية والشعبية، حيث يعني (يا مستورة)، وليس (يا ألد العدا) كما يظن من يرجعون كل الألفاظ للغة العربية في بلد تمتص لغتها كثير من اللغات من تركي وفارسي وإيطالي وفرنسي.. إلخ، فمراقبة ظروف تلك اللفظة نجدها كلمة جيدة، فقد نجد إمرأة تخاطب أخرى قائلة (والنبي ارفعي علي المشنة يادالعادي) أو (سا الخير يادالعادي) ما يعني أنها كلمة مدح وليست ذم. وفي كتابي (أغرب التعبيرات والأمثال الشعبية، نشر هيئة الكتاب)، تناولت التعبيرات الشعبية الغريبة مثل (أديله الطرشة) وكيف أن كل لغات العالم أخذته كما هو بنفس معناه، فنجد في الانجليزية turn the deaf ear بمعنى (يتجاهل).. هذا مع تناول تعبيرات أخرى كثيرة سيتم نشرها في مؤلفات قادمة مثل (شاكب راكب) التي تعني في الأساس (حجري الرحايا) باللغة المصرية القديمة.