د.سحر سليم أستاذة "الأشعة": فحصنا 40 مومياء ملكية ولم نعثر على الزئبق الأحمر

حوار: عبدالرحمن حسني

يقولون إنها استطاعت أن تعيد كتابة التاريخ الغامض حول ملوك وملكات مصر في العصور الفرعونية المختلفة، وذلك بفضل دراساتها المتطورة للمومياوات من خلال الفحص بالأشعة، إنها الدكتورة سحر سليم، أستاذ علم الأشعة بكلية طب قصر العيني، حيث تعمل في مجال الأشعة القديمة، أو ما يُعرف بـ “أشعة الآثار”، وهو المجال الذي يهتم بدراسة وفحص المومياوات بنفس طريقة فحص المرضى الأحياء، وترافق الدكتورة سحر البعثات الأثرية المختلفة، كما نجدها دائماً بصحبة الدكتور زاهي حواس للكشف عما بداخل التوابيت قبل فتحها من خلال الأجهزة الحديثة، وكان لها الفضل في كشف الكثير من الأمراض التي أصابت المصريين قديماً فضلا عن أسرار مؤامرات القصور الملكية.. في السطور التالية التقيناها فكان هذا الحوار.    

كيف يساعد علم الأشعة القديمة في اكتشاف أسرار المومياوات المصرية؟

الفحوصات والأشعة الطبية التي يتم استخدامها مع المومياوات هي نفس الأشعة العادية والرقمية والمقطعية المستخدمة حالياً في فحص المرضى. حيث تُساعد صور الأشعة في اكتشاف ما بداخل المومياوات الملفوفة بالكامل بشكل آمن دون الحاجة لفك اللفائف أو تشريحها كما كان معتاداً في السابق قبل استخدام أشعة الآثار، ومن المعروف أن علم المصريات يُسمي علم السجلات الصامتة، حيث تتم دراسة الحضارة الإنسانية من خلال البقايا المادية في المواقع الأثرية، ويقوم علماء الآثار من خلال التقنيات الميدانية والحفريات بكشف وتحليل هذه البقايا، وبالتالي إعادة بناء الحياة مرة أخرى، حيث تفيد فحوصات الكشف عن المومياوات في إعادة كتابة التاريخ بشكل علمي.  

هل هناك اختلافات في تكوين أجساد الفراعنة عن المصريين في الوقت الحالي من حيث الطول أو الوزن؟

المصريون القدامى يشبهون المصريين في الوقت الحالي في التركيب الجسماني والطول، وتتباين ملامحهم تماماً مثلما تختلف ملامح أهل صعيد مصر عن أهل بحري، وبالتالي يمكن القول أن المسيرة الإنسانية للمصريين ربما لم تتغير كثيراً.

جرح السكين الذي اكتشفتِه في حلق رمسيس الثالث.. كيف يمكن الاستناد إليه في الكشف عن طريقة قتله؟

دراساتي بالأشعة المقطعية لمومياء الملك رمسيس الثالث أظهرت قطعاً في رقبته تم بواسطة خنجر مدبب الطرف، وكذلك بتر في الأصبع الكبير للقدم اليسرى بواسطة بلطة، وهذه الجراح كانت مختفية عن النظر تحت لفائف المومياء التي لم يتم فكها، وتكشف هذه الإصابات عن طريقة مقتل الملك في مؤامرة القصر، والتي تُعرف بمؤامرة الحريم بتدبير من زوجته الملكة “تيا”، وهذا إضافة تاريخية، حيث إنه لم يكن مثبتاً تاريخياً مقتل الملك في المؤامرة.

ما آخر إنجازات المشروع الذي تشاركين فيه مع وزارة السياحة والآثار حول فحص المومياوات؟ وكم مومياء تمت دراستها؟

لازلت أستكمل دراساتي في المومياوات الملكية، وهناك الكثير من المعلومات التي لم تُنشر بعد. كما أشارك في عدة مشروعات لفحص المومياوات والتوابيت في مواقع الحفائر الأثرية. ولايزال التعاون مع اللجنة العلمية بمتحف الحضارة موصول بوصفي عضوة في اللجنة. ونحن بصدد التعاون في مشروعات جديدة مع المتحف المصري بالتحرير، وبالفعل ستكون لي مساهمات في دراسات أثرية في حقب مختلفة في مصر. كما أنني فحصت مومياوات وهياكل من حضارات أخرى مثل رهبان جانجي بصقلية، وتمت دعوتي مؤخراً لدراسة هياكل بشرية قديمة في سريلانكا.

ما قصة المومياء الحامل؟ وهل حقاً كان سبب وفاتها مرض السرطان كما يُحكي؟

بالنسبة للمومياء المصرية المحفوظة في متحف وارسو ببولندا، زعمت دراسة أن المومياء كانت لسيدة حامل. ولكن اتضح لي بعد دراسة المقالة المنشورة خطأ البحث ونتائجه مع افتقاره للمعرفة بفنون التحنيط والطب الشرعي. فقمت بنشر ردي في مقالة نشرتها نفس المجلة العلمية، حتى أقوم بإثبات خطأ ما تم وصفه بأنه جنين بداخل المومياء، فما هو إلا حشوات تحنيط، ولا تحمل أي صفات تشريحية لجنين، فمن بديهيات التحنيط إزالة الأحشاء لمنع تعفن الجسد، والرحم يتسبب في تعفن الجسد، ولذلك كان القائمون بالتحنيط يقومون بتفريغ الجثة بالكامل من هذه الأحشاء الداخلية.

هل كان الملك توت عنخ آمون مصاباً بالعرج؟

عانى الملك توت عنخ آمون من التواء بسيط في قدمه اليسرى مع التهابات في مفاصل القدم مما قد تسبب في بعض الألم أثناء المشي ولذلك كان يميل للمشي بهذه الطريقة.

من خلال دراستك للمومياوات.. هل توصلتِ لأي أسرار أخرى متعلقة بتقنية التحنيط؟

تمكنت من خلال دراستي لجثامين أجدادنا القدامى بالأشعة من اكتشاف أسرار طريقة حفظها لآلاف السنين دون أن تتعرض للتلف. وأتاحت لي دراستي للعديد من المومياوات فرصة للوصول إلى أسلوب المحنطين والتي اختلفت من حقبة إلى أخرى وبحسب المستوى الاجتماعي والمادي، فكان أكثرها إتقاناً المومياوات الملكية. وكان لي شرف الفحص بالأشعة المقطعية لـ ٤٠ مومياء ملكية من المملكة الحديثة ومقارنة النتائج. فأظهرت صور الأشعة أن المحنطين أزالوا الأحشاء بمهارة شديدة من خلال فتحة صغيرة في أسفل البطن من الجانب الأيسر، وذلك لتجنب تعفنها مع ترك القلب مكانه وذلك لقيمته الرمزية في العالم الآخر. وتم وضع الحشوات من مواد مختلفة بداخل تجويف الجسم وذلك للاحتفاظ بشكله. واختلفت معالجة المحنطين للمخ فكانت تتم إزالة المخ من خلال فتحة الأنف بآلة خطافية تحدث ثقباً في قاع الجمجمة بين العينين ثم ملء الجمجمة المفرغة بمواد تحنيط، تختلف من ملك لآخر مثل المواد الراتنجية والكتان وغيرها، ولكن تبين لي أن المحنطين في بدايات المملكة الحديثة لم يزيلوا المخ وتركوه بداخل الجمجمة مثل حالة الملك أمنحوتب الأول والملك تحتمس الثالث.

لماذا كان المحنطون يضعون التمائم داخل المومياوات؟

أوضحت دراساتي للتمائم المختلفة التي وضعها المحنطون داخل تجويف المومياء وبين طيات اللفائف أن الهدف من ذلك هو إيمانهم بالطاقة السحرية لهذه التمائم لمنح الحياة للجسد في العالم الآخر. واكتشفت من خلال الأشعة أن المحنطين أجروا عمليات تجميل للمومياوات الملكية من المملكة الحديثة، وذلك بوضع حشوات تحت الجلد في الوجه مماثلة لعمليات التجميل الحديثة وهذه المعلومة لم تكن معروفة قبل دراستي، وهو ما يضيف شيئاً جديداً لفهم عملية التحنيط.

هل وضع الفراعنة مادة الزئبق الأحمر في حلق المومياوات الملكية كما يزعم البعض؟

فحصت العديد من المومياوات بالأشعة المتقدمة، وهي تُظهر بدقة ما بداخل المومياء، ولم أجد أثراً لهذه المادة الوهمية، فالزئبق الأحمر هو مجرد خرافة ابتدعها الدجالون وزعموا أن لها خواص سحرية وصدق الطماعون والبسطاء هذه الكذبة.

من خلال فحص مومياء الملك توت عنخ آمون.. هل وصلتم لأي دليل حول أسباب وفاته المبكرة؟

أظهرت الأشعة المقطعية وجود كسر في ركبة الملك، ومن المحتمل أن تتسبب مضاعفات هذا الكسر في  وفاته، كما أن الملك كان مصاباً بطفيل الملاريا، وهو ما أثر بالسلب على صحته، لكننا لا يمكننا أن نؤكد الطريقة التي مات بها حتى الآن، وكل ما ذكرته مجرد شواهد بعضها مؤكد.

ما أبرز الأمراض التي أصابت المصريين القدماء وتم اكتشافها من فحص المومياوات؟

حفظ التحنيط الأجسام القديمة بالأمراض التي أصيبت بها، وقد أظهرت الأشعة الأمراض القديمة التي أصابت المصريين في هذه العصور القديمة، مثل تصلب الشرايين والتهابات العمود الفقري والأورام السرطانية.

ماذا عن أبرز مؤلفاتك وتحديداً كتاب "مسح الفراعنة" مع العالم الدكتور زاهي حواس؟

أصدرت العديد من المؤلفات العلمية من كتب ومقالات في مجال الطب وأمراض المخ والأجنة، حيث أن هذا هو تخصصي الأصلي، فأنا رئيسة قسم الأشعة التشخيصية بكلية طب قصر العيني. كما أن لي العديد من الإسهامات بمقالات علمية وعدة كتب في مجال أشعة الآثار. وساهمت في كتابة كتالوج متحف الحضارة عن المومياوات الملكية. كما سجلت في كتابي مسح الفراعنة مشاركة مع الدكتور زاهي حواس عن نتائج دراسات فحص المومياوات ملوك وملكات مصر القديمة، وقد حصد هذا الكتاب العديد من الجوائز العالمية.