أطلال مدينة التوحيد تبوح بأسرارها.. هنا عاش إخناتون مع الجميلة التي اختفت!

تقرير: عبدالرحمن حسني

ما يقرب من 3 آلاف سنة هو عمر هذه المدينة المقدسة، التي بناها إخناتون في تل العمارنة بمحافظة المنيا، ففي هذا المكان انطلقت دعوته إلى التوحيد، وفي هذا المكان أيضاً عاشت معه زوجته نفرتيتي ملكة متوجة في قصر به حمام سباحة على النيل! القصر لا يزال في مكانه كما أن آثار المدينة باقية، حيث يوجد قصران: قصر شمالي للصيف وقصر جنوبي لفصل الشتاء، أما نفرتيتي فقد اختفت مع إخناتون في ظروف غامضة، لتسجل قصتهما واحدة من أشهر قصص الاختفاء الغامض في التاريخ..

لقد كانت نفرتيتي أو “الجميلة التي أتت”، وهو معنى اسمها، زوجة الملك إخناتون الملقب بـ “أمنحتب الرابع”، الذي تولى الحكم بعد والده أمنحتب الثالث، حيث دعا إلى عقيدة التوحيد وأراد أن يغير الوضع الديني في هذه الأثناء، فسمَّى الإله الذي يدعو إليه باسم “آتون” أي قرص الشمس، وبعد ذلك سعى لإيجاد عاصمة جديدة له، فاختار وزراؤه تل العمارنة، وهو وادِ يمتد على شكل قوس على النيل بمحافظة المنيا، وكانت أرضًا عذراء وكانت مكانًا لفيضانات النيل. فأرسل مهندسين وعمالاً ليبنوا له مدينة بالطوب اللبن تضم بيوتاً وقصرا عظيما ومقبرة ملكية لدفن زوجته نفرتيتي وبناته، وقد تمت تسمية المدينة باسم “أخيت آتون” أي شروق الشمس.

ورغم مرور آلاف السنين على هذه القصة المثيرة، إلا أن أطلال هذه المدينة لاتزال باقية في مكانها، حيث تعد موقعا أثرية مهما، هذا ما أكده حمادة قلاوي، مفتش آثار ملوي، وباحث في تاريخ تل العمارنة، حيث يقول: كانت هناك خلافات بين كهنة آمون بالأقصر ومملكة إخناتون بالمنيا، فقام كهنة آمون بهدم هذه المدينة وقتلوا من فيها، وبعض الذين كانوا يعيشون فيها لاذوا بالفرار، لكن كان هناك قتلى، ويُفترض أن نفرتيتي كانت مع العائلة المالكة، وأن نهاية نفرتيتي هي نفس نهاية الملك زوجها أخناتون وبناتها الستة، والحقيقة أنه بعد اعتداء كهنة طيبة على المدينة فقد اختفى إخناتون ومعها زوجها للأبد، ولا أحد يعلم، هل هربوا إلى مكان غير معلوم، فهناك أسئلة كثيرة: هل عادت العائلة المالكة إلى طيبة أي الأقصر مرة أخرى؟ مع العلم أنهم أتوا من طيبة ورفضوا العيش فيها، فكيف يمكنهم العودة إليها مرة أخرى خاصة في وجود كهنة آمون؟ وهناك أقوال ترى أنهم عادوا إلى أخميم وهم أهل نفرتيتي، لكن لا أحد يستطيع أن يجزم كيف كانت نهاية الملك إخناتون وزوجته نفرتيتي، أيضاً هل تم دفنهما في تل العمارنة، أم في الأقصر في مقابر وادي الملوك أم في مكان مجهول؟.. الجديد هو أن بعثة بلجيكية اكتشفت نقشاً يذكر اسم نفرتيتي والعام السادس عشر من عمر مملكة إخناتون في تل العمارنة، مما يعني أن نفرتيتي عاشت في المدينة حتى نهايتها وقابلت نفس المصير.

ويضيف قلاوي أنه في أعماق الجبل خلف تل العمارنة، وفي منطقة لا يمكن لأحد أن يتخيلها تقع مقبرة نفرتيتي أو المقبرة الملكية التي أنشأها إخناتون لتكون مكاناُ لدفن العائلة بأكملها، والمقبرة محفورة في بطن الجبل على عمق يزيد عن 50 مترًا، وفي الداخل توجد غرفة كبيرة لدفن إخناتون وغرف أخرى لدفن الأميرات والملكة نفرتيتي، وهناك غرفة لدفن الأميرة “ميكت آتون” ابنة إخناتون ونفرتيتي وهي الوحيدة التي عثر عليها في المقبرة لأنها توفيت شابة من قبل أن يقوم كهنة آمون بتحطيم المدينة، ولهذا دفنت في فترة ازدهار المدينة وعُثر على متعلقاتها في هذا المكان. أما بالنسبة لإخناتون، فقد تم العثور على تابوت خشبي كان مخصصًا لدفنه هناك، ولكن لم يتم العثور على نفرتيتي أو أي شيء يتعلق بها. وقد تم اكتشاف هذا القبر من قبل البدو في القرن الثامن عشر، ووصل إليه اللصوص مع الأسف. ومنذ بداية الدولة الحديثة كان الملوك في مصر القديمة يختارون وادياً في الجبل للدفن، وهو نفس ما فعله إخناتون، حيث اختار واديًا بعيدًا في الجبل للمقبرة الملكية وجعله يتجه شرقًا، وفي هذه المقبرة الملكية تم محو اسم نفرتيتي ووجوه نفرتيتي أثناء دخول الكهنة، وعاشت العائلة المالكة فترة أخرى، لكن لا يوجد دليل على دفنها في الأقصر، وفي مقبرة 55 بوادي الملوك وجدوا هياكل عظمية ، فظنوا أنها ملك للملكة نفرتيتي ، لكن هذا لم يثبت.

ويذكر قلاوي، أن البعثات الأثرية العاملة في المكان استطاعت أن تحدد بقايا قصر المكلة نفرتيتي، كما عثروا على بعض أدوات الزينة الخاصة بها، أما رأس نفرتيتي فقد تم العثور عليها مع أكثر من 140 قطعة منحوتة في بقايا منزل النحات تحتمس بتل العمارنة أو الذي كان يعرف وقتها بـ “مفضل الملك وسيد الحِرَف تحتمس”، والذي عاش عام 1350 قبل الميلاد، يُعتقد أنه النحّات الرسمي لبلاط الفرعون إخناتون في الفترة اللاحقة من حكمه.