هل يقع سجن سيدنا يوسف في هذا المكان؟

تحقيق: نرمين إبراهيم – دينا منصور

جاء في حديث الإسراء أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال “فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطى شطر الحسن”، وتم تفسير ذلك بأن يوسف كان أجمل خلق الله بعد آدم، ولم يكن جماله يتلخص في شكله فقط بل إن جمال أخلاقه زاده جمالا على جماله، ورغم أن حسنه سبب له الكثير من المحن لكن قوة إيمانه وصبره جعلته يستطيع تحويل المحن إلى نعم بعد خروجه من السجن.. وكان المكان الذي من المحتمل أن يكون قد شهد هذه المحنة قد تحول إلى أسطورة تتناقلها الأجيال رغم مرور آلاف السنين.. هذا المكان وفقاً لشواهد أثرية وتاريخية ومعتقدات شعبية يقع في مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، حيث توجد قرية قديمة تضم مزاراً دينياً تقليدياً يحمل اسم “سجن سيدنا يوسف” ففي هذا المكان كل الأماني ممكنة.. حيث يأتي إليه زوار من كل مكان في العالم! .. والطريف إنه على مقربة من السجن يوجد تل أثري يحمل اسم “عزيز مصر” كما توجد منطقة أيضا تسمى “حوض زليخة”.. فهل كل ذلك صدفة.. هذا ما سعينا للتعرف عليه في جولة مثيرة قمنا بها في هذه المنطقة التي تحمل الكثير من الأسرار.. فكان هذا التحقيق:

سر الصندوق الخشبي

تقع القرية التي تضم مكان سجن سيدنا يوسف على بعد عدة كيلومترات من مدينة البدرشين، ويؤكد الكثير من الأهالي أنهم توارثوا هذه الحكاية عن جدودهم، وأنهم سمعوا عنهم أن قصة سيدنا يوسف الواردة في القرآن الكريم حدثت في هذا المكان، حيث إن كلمة “البدرشين” نفسها لها قصة، ذلك أن سيدنا يوسف عندما خرج من السجن ورأى زليخة زوجة العزيز وقد ذهب جمالها فقال لها “مال البدر أصبح شين” أي “أين اختفى جمال البدر؟” ورغم إننا لا نعرف مدى حقيقة هذه الواقعة إلا أن هناك شواهد وقصص كثيرة مماثلة، بداية من تل العزيز الذي يضم بقايا مخازن الغلال المبنية من الطوب اللبن والتي حمت مصر من السنوات السبع العجاف،  ومرورا بمنطقة حوض زليخة زوجة العزيز وانتهاء بهذا المكان الذي يقولون إنه يقع تحته بقايا سجن يوسف والدعاء فيه مستجاب لأن سيدنا جبريل نزل فيه على سيدنا يوسف.

كل الأماني ممكنة

لهذه الأسباب كانت الجولة مثيرة وممتعة، فالمكان الذي يقصده الناس عبارة عن بناء أو صندوق خشبي يضم بداخله شيء أشبه بالضريح ويقع المكان وسط الرمال وعلى هضبة مرتفعة، حيث التقينا مفتش الآثار بالمنطقة وهو الخبير الأثري أحمد عادل، وقد أكد لنا أن الحكايات والأساطير المرتبطة بأي مزار ديني تعبر عن طريقة تفكير البسطاء، فبعضهم يأتي هنا طلبا للشفاء العاجل أو جلب منفعة أو لرفع الأذى والضرر أو طلب الحمل للعاقر أو طلب الرزق على اعتبار إنه مكان “مبروك” والدعاء فيه مستجاب، ويشعر البسطاء أن هذا المكان مقدس فلا يستطيع أحد أن يقترب منه أو يهدمه أو يزيل هذا البناء الخشبي، وهذا البناء عبارة عن غرفة مساحتها 5 في 10 أمتار وارتفاعها يبلغ 2 متر تقريبا، وتم بناؤها في السبعينيات، وأنا شخصيا أعتقد أن هذه رواية تتناقلها الأجيال ولكن دون دليل يؤكد صحة ذلك، وحتى الآن لم نقم بأي حفائر في هذا المكان، وبالتالي سجن يوسف غير مؤكد وجوده أسفل هذا البناء، لكن هناك بقايا لقصر العزيز في قلب تل العزيز، الموجود في القرية التي تحمل هذا الاسم على بعد عدة كيلومترات من قرية سجن يوسف، وهذا القصر لاتزال توجد بقايا منه مثل تيجان بعض الأعمدة القديمة وبعض الجدران المبنية من الطوب اللبن وسرداب ونفق، ففي هذا المكان كان يوجد القصر الملكي ومجموعة المكاتب الإدارية الخاصة بإدارة مصر في عصر الأسرة الـ 12 من الدولة الوسطى،

ومن المعروف أن مناطق تل العزيز والعزيزية وسقارة وأبو صير تتبع المنطقة الأثرية ميت رهينة، وهو تعتبر العاصمة الإدارية أو الدينية في هذه الفترة من عصر الأسرة الـ 12 من الدولة الوسطي، والتي شهدت بناء هذا القصر الملكي ومجموعة مكاتب خاصة بالوزراء، وكانت تضم صوامع الغلال الضخمة، والمركز القيادي للحكم في الدولة.

السرابيوم

ويرى أحمد عادل أن سجن سيدنا يوسف الحقيقي مكانه في السرابيوم” وهو مدخل العجل المقدس، والسرابيوم الذي يعود لفترة الدولة الوسطى، هو مكان تحت الأرض عبارة عن ثلاثة ممرات فيها 26 تجويف، وتضم 24 تابوتا تبقى منها خمس توابيت، والمكان عبارة عن معتقل في العصر المصري القديم، وهو عبارة عن “أرج” و “الأرج” هو عن تكوين صخري تم حفره داخل الصخر، وله سلالم تؤدي للأسفل، وهذه السلالم تؤدي إلى العين الخاصة بوحدة السجن أو الزنزانة الخاصة بالسجن، وكانت هناك أبواب حديدية موجودة قديما، كما توجد ممرات أيضا، وأسوار خارجية خاصة بالسجن على الطريق المؤدي إلي أبراج المراقبة، والبقايا الموجودة بالمكان تؤكد أنه تحول لمكان تعبدي أو تقربي إلى المعبود “حيب إيبيس” أو العجل أبيس لا أكثر ولا أقل، في حين أن الحفائر التي تمت في هذا المكان أكدت إنه كان مكانا للعبادة، وإنه تم استخدامه في البداية كسجن أو معتقل، ولا نستبعد أنه ربما يكون المقر الحقيقي لسجن سيدنا يوسف خاصة وإنه يبعد عن قصر العزيز أو تل العزيزية حوالي 3 كيلومترات، وربما يكون ذلك مقصودا بأن يكون السجن عبارة عن منفى تحت عين العزيز أو فرعون مصر، وهذا هو الأقرب للدقة، أما الغرفة التي يدعي الأهالي أنها مقامة أعلى سجن يوسف فإن الأهالي يزورونها ويقرأون الفاتحة فيها ويترحمون على أحد الصالحين المدفون قربها وهو الشيخ محمد البغدادي البوصيري، فالمكان تحول لضريح لأحد العارفين بالله يزورونه لطلب البركة.