لعنة الفراعنة.. خرافة من وحي الخيال أم حقيقة كشفتها الصُدف الغامضة؟!

تحقيق: حبيبة إيهاب

كشف موقع “live science” الأمريكي عن جوانب جديدة من القصة الحقيقية للعنة الفراعنة، مؤكداً أن أول من أطلق هذا التعبير هي الصحيفة الأمريكية “The Courier Journal“، حيث نشرت تقريراً مطولاً بعنوان “لعنة فرعون البالغة من العمر 3000 عام تتسبب فى مرض كارنارفون”، وذلك في الصفحة الأولى من طبعة 21 مارس عام 1923م، وهى صحيفة كانت تصدر فى لويزفيل بمقاطعة كنتاكى، بعد هذا التقرير نشرت العديد من الصحف العالمية تقارير مماثلة بعد مصرع عدد من مكتشفي مقبرة الملك توت عنخ آمون في ظروف غامضة.. فما هو أصل القصة؟ وما حقيقتها؟   

لعنة الوفاة الغامضة

كانت أجواء فتح مقبرة الملك توت عنخ آمون شديدة الغرابة والإثارة في وقت واحد.. حيث هبت عاصفة رملية قوية حول المقبرة، مما أثارت الذعر بين عمال الحفر والأثريين الملتفين حول الكنز، وتشير إحدى الروايات إلى تواجد صقر يطير فوق المقبرة ومن المعروف أن الصقر هو أحد الرموز المقدسة لدى الفراعنة، وكان توت عنخ آمون قد حكم تسع سنوات فقط توفي شابا دون العشرين من العمر، وامتدت فترة حكمه من عام 1358 إلى 1349 قبل الميلاد.. وقد شهدت الأيام التي أعقبت فتح مقبرته أحداثا مزعجة، حيث توفي نحو 22 شخصا ممن لهم علاقة بهذا الكشف الأثري في ظروف غامضة، بدأت بوفاة الأثري المصري محمد زكريا، أحد معاوني كارتر في نفس يوم دخول المقبرة في ظروف غامضة, بعد تعرضه لمرض شديد، حيث وصلت درجة حرارته لـ40 درجة مئوية، وكان يرتجف من نوبات القشعريرة من تأثير الحمى، ثم توفي اللورد كارنرفون هو الآخر بعد 4 أشهر فقط من فتح المقبرة بعد أن لدغته بعوضة سامة، كما رحل في ظروف غامضة أيضاً “أرتشبولد دوغلاس” أحد أعضاء فريق هوارد كارتر، والذي كان متخصصاً في الأشعة السينية، وكان أول من قطع الخيوط حول جسم مومياء الفرعون توت عنخ آمون. كما توفى رجل الصناعة الإنجليزي “غول وود” بعد أيام من زيارته مقبرة توت عنخ آمون بأعراض حمى مفاجئة.. وهكذا توالت أحداث الوفاة الغامضة لكل من ارتبط اسمه بالكشف الأثري الذي هز أرجاء العالم أواخر عام 1922.

هكذا ألهبت هذه الأحداث خيال الكتاب والمؤلفين، حتى ذكرها الكاتب الإنجليزي الشهير “آثر كونان دويلي” في أحد أعماله. كما تناولها الكثير من الصحف، حتى أصبحت لعنة الفراعنة فزاعة يخشى منها العالم.

لغز التعويذة

يقول الدكتور محمود عفيفي، خبير المصريات، إن لعنة الفراعنة بدأ الحديث عنها عندما اكتشفوا مقبرة الملك توت عنخ آمون، حيث كان مكتوبا على المقبرة عبارة “سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك”، وحتى قبل توت عنخ آمون، كانت مقابر الأفراد فى الدولة القديمة تحمل عبارات أشبه بالأحجبة التي نعملها الآن، وهي تسمى بـ “خراطيش اللعنة”، والهدف منها بث الرعب والزعر في قلب من يقترب من هذه المقبرة أو يحاول العبث بمحتوياتها، لكن اللورد كارنارفون الذي قام بتمويل اكتشاف المقبرة، قرصته بعوضة فأصيب بمرض غريب ومات بعد 4 أشهر من فتح المقبرة، فقالوا أنها لعنة الفراعنة، فضلا عن بعض العمال الذي لقوا مصرعهم بفعل الاختناق، فعندما ندخل مقبرة مقفولة منذ آلاف السنين بطبيعة الحال سيكون الهواء بداخلها مسموما ومشبعا بالغازات فضلا عن الميكروبات والتفاعل الكيميائي الذي حدث في المقبرة على مدار آلاف السنين، وبالتالي عندما يتم فتح المقبرة ودخولها فجأة فإنه من الطبيعي أن يتعرض الأشخاص للاختناق أو الموت المفاجيء، وهذا أمر طبيعي.  

ويضيف عفيفي أن المصريين القدماء كانوا على علم بأن مقابرهم وممتلكاتهم الثمينة ستتعرض للسرقة والعبث في العصور التالية، ولهذا السبب كانوا يحاولون تأمين هذه المقابر من خلال هذه العبارات التي ربما تحمل دلالات عقائدية معينة، خاصة وإن المصري القديم كان مؤمناً بالبعث والخلود، فكان يأخذ كل ما يحبه فى الدنيا إلى مقبرته فى العالم الآخر، فلو كان ملكا مثلا كان يوصي بوضع المومياء الخاصة به وعليها ذهب وأحجار كريمة، والحقيقة أن مقبرة توت عنخ آمون كانت مقبرة كاملة وثمينة، ولذلك سعى المصريون القدماء وقتها لتأمينها بهذه التعويذات، فقد ضمت المقبرة كميات من الذهب والقناع الذهبي الخاص به من الذهب الخالص، والحقيقة أن سرقات المقابر الفرعونية ظاهرة قديمة، وربما تعود للعصر الروماني واليوناني، فهناك مقابر فتحناها في الواحات البحرية، نجد حجرة الدفن بها حفرة فى السقف تعود للعصر الرومانى، حيث كان الرومان يسرقون الذهب من هذه المقابر، وفى العصور المصرية القديمة أيام الفراعنة أنفسهم كانت هناك أيضا سرقات للمقابر، فقد عثرنا على  بردية تشير إلى سرقات المقابر فى الأسرة الـ ١٩، حيث تقول البردية أن حراس المقابر أو “الجبانة” اكتشفوا  سرقات وحدث تحقيق وقبضوا على اللصوص.

ويذكر عفيفي أن الخوف من سرقات المقابر والعبث بها جعلت المصري القديم يحتاط ويبتكر أساليب كثيرة لإخفاء هذه المقابر عن عيون اللصوص، فضلا عن التعاويذ المستخدمة، والحديث عن توظيف الجن في الحراسة وخلافه، فكل هذه الأشياء مرتبطة بخرافات لعنة الفراعنة التي ارتبطت بفتح مقبرة الملك توت، والتي ضمن نحو 5 آلاف قطعة أثرية، ومن المقرر أن يتم عرض بعض القطع النادرة لأول مرة في المتحف الكبير. 

حقائق علمية

ومن جانب آخر، فقد أظهرت عينات الهواء المأخوذة من داخل فتحات تابوت الملك الذهبي مستويات عالية من مواد الفورمالدهيد والأمونيا وكبريتيد الهيدروجين، وهذه الغازات كلها سامة، ولكن تم اكتشافها بسهولة عن طريق روائحها القوية، فضلا عن وجود فطريات قاتلة مثل “أسبرجيلوس فلافوس”.

لكن من الناحية العلمية..  لم تجد دراسة نشرها مارك نيلسون، أستاذ علم الأوبئة والطب الوقائى بجامعة موناش فى أستراليا، أى دليل على أن أولئك الذين دخلوا المقبرة ماتوا في سن مبكرة بشكل غير عادي، و فحصت دراسته سجلات 25 شخصًا عملوا أو ذهبوا إلى القبر بعد وقت قصير من اكتشافه. وقد عاش الأشخاص الذين دخلوا المقبرة 70 عامًا وفقا للدراسة، وهو عمر لم يكن منخفضًا بشكل خاص فى أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه، وكتب نيلسون فى ورقة بحثية نُشرت عام 2002 في المجلة الطبية البريطانية ، أن الدراسة لم تجد “أى دليل يدعم وجود لعنة الفراعنة”.

بكتيريا وجراثيم

أما الطيب عبدالله حسن، نقيب المرشدين السياحيين بالأقصر، وخبير الآثار، فيقول إن لعنة الفراعنة ليست حقيقة علمية، وإنما قصة اختلقها بعض الكتاب عقب فتح مقبرة الملك توت، ولكن ربما تكون بعض الصدف التي حدثت قد جعلت بعض الناس يربطون بين هذه المواقف وبين فتح المقبرة، مثل وفاء اللورد كارنارفون بعد فتح المقبرة بعدة أشهر، ثم وفاء كارتر مكتشف المقبرة بعدها بسبع سنوات، فالموضوع في حد ذاته مجرد خرافة، ولم يجدوا أي نصوص تدل على وجود لعنة الفراعنة، لكن المشكلة الحقيقية التي حدثت أن المقبرة كانت تضم مواداً عضوية وأورجانيك فقد كانت هناك بقايا ورود والمومياء نفسها وبقايا خمور كانت توضع مع المتوفي فضلا عن بعض الأطعمة، فكل هذه الأمور تفاعلت مع بعضها على مدار آلاف السنين، فتسببت في حدوث بكتيريا وغازات أصابت كارتر نفسه، وأثرت بشكل سلبي للغاية على صحته، فعندما فتحوا المقبرة لأول مرة دفعهم الفضول لدخولها مباشرة دون ان يتركوها فترة حتى تتعرض للتهوية الجيدة، وبالتالي لا توجد لعنات ولا “درجات سلالم قلابة تأخذ الناس للجحيم”، فكل ذلك خرافات، وحاليا هناك إجراءات صحية يتم التعامل معها عند فتح المقابر حيث يتم تهوية المقبرة لمدة أسبوع على الأقل قبل دخولها، فضلا عن ارتداء ماسكات وجوانتيات وخلافه للوقاية من الأضرار المحتملة.