د. أحمد بدران: تعاويذ الفراعنة خمسة وخميسة وخرزة زرقاء للحماية من السحر والحسد

كتب: زياد كرم - هاجر عامر

الخمسة وخميسة، والخرزة الزرقاء، والحجاب الذي تضعه بعض السيدات تحت وسادة النوم في الأرياف.. هي عادات مصرية متوارثة من أيام الفراعنة، حيث لجأ المصريون القدماء للتعاويذ والتمائم كوسائل للحماية من الخوف والحسد والمرض والشر القادم من وراء المجهول.. ورغم بساطة التعاويذ إلا أن وراءها حكمة وفلسفة خاصة.. وهو ما حاولنا أن نعرفه من خلال تقريرنا التالي.

رحلة الخلود

يقول الدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار المصرية بكلية الآثار، جامعة القاهرة، إن المصريين القدماء لجأوا لفكرة التمائم والتعاويذ بغرض الحماية في رحلتهم للعالم الآخر حتى يصلون إلى البعث والخلود، فقد كانوا يعتقدون اعتقاداً راسخاً في هذا الأمر، والمصري القديم عندما كان يقوم بتحنيط المومياء وينتهي من لف اللفائف الكتانية كان يضع تمائم بين اللفائف وبعضها، وكانت هذه التمائم تحتوي على بعض الرموز التي تقول إنها تساعد على الحماية، ورموز وتمائم أخرى تمنع الشرور وتمائم ورموز أخرى تساعد على فكرة الإحياء والبعث مرة ثانية، وكان يتم كتابتها على هيئة نصوص في برديات أو على أنسجة كتانية أو يستخدم تمائم فعلية من أحجار كريمة ونصف كريمة وتمائم ذهبية وغيرها من المواد، لاعتقاده الراسخ في أن هذه التمائم سوف تمنع عنه الشر، وتقوم بحمايته في العالم الآخر، وهذه الأشياء مازالت مستمرة حتى الآن في المورورث الشعبي في بعض القرى والأرياف، باعتبار أننا أحفاد المصريين القدماء والحضارة المصرية لا يزال لها تأثيرها حتى الآن، ونجد السيدات يعملن الحجاب للأطفال، وهي نفس فكرة التعاويذ والتمائم، والمصريون القدماء كانوا يضعون أشياء تحت المخدة أو يقومون بتعليق شيء ما في رقبة الطفل، وهو ما يحدث الآن وكله مستمد من الحضارة المصرية القديمة، وكان الهدف من هذه التعاويذ التأمين ضد الخوف وضد الحسد وضد الشر وضد الأمراض.

أحجار كريمة

وحول أشهر هذه التعاويذ، ومن أين كان يستمدها المصري القديم، يضيف بدران أنه كان هناك نوع من التعاويذ يأخذ أشكال المعبودات في مصر القديمة مثل المعبود حورس على هيئة الصقر أو المعبود أوزير على هيئة قدم أو عين حورس وهي ترمز إلى السلامة والاكتمال والبعث والخلود مرة ثانية، وهناك رموز أخرى وتعاويذ تأخذ علامة “العنخ” وهي رمز أو مفتاح الحياة الموجود حاليآ، وأيضا هناك تميمة على شكل عمود “الجد” وهو رمز من رموز المعبود أوزير، وهناك طقسة أو عادة باسم “إقامة عمود الجد” موجودة في معبد أوزير في منطقة أبيدوس في سوهاج، وهناك احتفال كبير يصاحب هذه الطقسة لأنه يرمز لبعث أوزير وإحيائه مرة ثانية، وتوضع بعض التمائم أثناء التحنيط أو الأساس الجنائزي وغيرها من التمائم مثل علامة “الواچ” وتكون عبارة عن أحجار كريمة مثل العقيق والزمرد وبعضها كان مُصنعا من الذهب، وكان المصري القديم لديه اعتقاد في نوع الحجر الكريم، بأنه يزيد من سعر التميمة أو التعويذة لذلك تأخذ التعاويذ شكل أحجار العقيق الأحمر والزمرد والتركواز والأداورد ويصنع منها التمائم والتعاويذ لزيادة الفاعلية.

مصادر الخوف

ويشير بدران إلى أن المصري القديم كان يخشى من الأمور الغيبية والأشياء التي لم يعشها فكل ما هو غائب بالنسبة للمصري القديم وغير مرئي وغير ملموس وغير مطروق هو مصدر خوف بالنسبة له، فكل ما هو غيبي يمثل للمصري القديم مصدر خوف، ولذلك كان يحاول التغلب على الخوف من خلال فكرة التمائم والتعاويذ ويقوم بتحصين نفسه بهذه الأشياء لكي يجتاز الصعوبات والعوائق التي تقابله وهي الغيبيات، وحتى وقتنا هذا نجد بعض الناس عندما يذهبون إلى مكان ما يقولون إنهم يشعرون بقبضة في القلب فيقولون دعاء معين أو ذكراً معين، فكل ما هو غائب بالنسبة لنا يمثل نوع من الخوف. ومن التمائم والتعاويذ المستمرة حتى الآن كعادات متوارثة عين حورس وهي “الأوجات” وكانت تحمي من الحسد والشر مثل الخرزة الزرقاء وكف اليد أو  “الخمسة وخميسة”، فكل هذه التمائم شهيرة حتى الآن، وهي من رموز الحماية عند المصريين القدماء ومازالت متوارثة.

جلب الحبيب

وحول أشهر تعاويذ جلب الحبيب ومنع الحسد والمرض والسحر، تابع بدران حديثه قائلا: لا يوجد شئ يسمى أشهر التعاويذ، ولكن المصري القديم لديه تصنيف في السحر، وتوجد بردية أو نص مكتوب يحكي أن شخصا ذهب إلى عراف لأنه يحب شخصاً ما ويريد أن يعمل عملاً له، فالساحر يكتب أن شخصاً ما يحب ويولع بفتاة معينة وهكذا، وكانت التعاويذ مرتبطة بإيمان المصري القديم بالغيبيات، فالإنسان بصفة عامة لديه اعتقاد راسخ وقوي بالشيء الذي يفعله، فالتنقيب في الأماكن الأثرية كشف لنا عدداً كبيراً من التمائم والرموز والبرديات والتعاويذ المكتوبة علي البردي أو شقف الفخار وهذا يدل علي أن المصري القديم يؤمن ويعتقد اعتقاداً راسخاً في فكرة الغيبيات والسحر وتأثيره على حياته، أيضاً كانوا يقومون بوضع التعاويذ في البيت أو في ملابسهم لأنهم يعتقدون بقوة التمائم بأنها تحمي وتساعدهم في فكرة البعث والإحياء مرة أخرى، وقد اختلفت تعاويذ منع المرض والحزن عن تعاويذ الفرح وجلب الحبيب، فالناس في القرى والأرياف يطلبون من المشايخ أن يقوموا بعمل سحر أو تعويذة  لشخص ما لكي يمرض أو يشفي، فالنص المكتوب يختلف في التعويذة ويختلف إذا كان السحر معمولاً لجلب الحبيب أو لمنع المرض أو الحسد، وحتى المواد التي يستخدمها للتعويذة تكون مختلفة مثل الأشياء المرتبطة بفكرة الحسد، حيث يقوم باستخدام أحجار باللون الأزرق مثل الخرزة الزرقاء، وبالتالي تختلف التعاويذ من حيث الشكل والمضمون حسب الحالة.