"طقوس الزواج": الفراعنة أول من اخترعوا دبلة الخطوبة وقائمة المنقولات لضمان حق الزوجة!

حوار: نورهان عماد

الزواج في مصر القديمة كانت تحكمه عادات وتقاليد وقوانين خاصة، فقد كان التعارف بين العروسين قبل الزواج معتاداً أيضاً حيث كانت هناك فترة خطوبة، وكان الزوج مطالباً بتوفير مسكن الزوجية والفرش وخلافه، في حين كان مطلوباً من الزوجة أن توفر بعض الاحتياجات الخاصة بالمطبخ وإعداد الطعام.. تفاصيل كثيرة ومثيرة في هذا الملف، حيث سنكتشف معا أن مصر الفرعونية لم تتغير وإننا تقريباً نمارس نفس العادات والتقاليد رغم مرور آلاف السنين، هذا ما يكشف عنه الدكتور أحمد عامر، الخبير الأثري ومفتش الآثار بوزارة السياحة والآثار والمتخصص في علم المصريات، من خلال دراسة شاملة أعدها حول هذا الملف.. في السطور التالية التقيناه ليحكي لنا تفاصيل أخرى، فكان هذا الحوار:

في البداية .. كيف كان يتم التعارف بين الشاب والفتاة في مصر الفرعونية؟ وما هي الصفات التي كانت مطلوبة في اختيار شريك الحياة في هذا العصر؟

كان الزواج في مصر الفرعونية يتم في أغلب الأحوال بين الأقارب والمعارف في المجتمع المصري القديم، حيث كان هذا الزواج مستحباً وميسراً ضماناً للمعرفة بالأصل وتقارب المستويات الاجتماعية وتزكية لصلات الرحم، وإن لم تكن العروس من الأقارب أو المعارف يشترط أهل العريس ما ذكره الحكيم “بتاح حتب” بأن تكون العروسة معروفة بين أهل بلدتها، وكان المصريون القدماء يركزون على الصفات الإيجابية في شريك الحياة، فمثلا نجد الحكيم “عنخ شاشنقي” قد نصح ولده حيث قال له “احذر أن تتخذ فتاة سيئة الطبع زوجة حتى لا تورث أبناءك تربية فاسدة”، ثم قوله لأبي البنات “تخير لإبنتك زوجاً عاقلاً ولا تلتمس لها زوجاً ثرياً”.

كيف كانت ‎طقوس الخطوبة في هذا العصر؟ وهل عرف المصريون الدبلة مثلما هو متعارف عليه الآن؟

نجد أن الأب هو الذي يتلقى طلب العريس للزواج بابنته، وقد يكون له بعض التحفظات مثل أن وقت زواجها لم يحن بعد، أو ضرورة أن يعمل على شغل وظيفة مناسبة قبل أن يزفها إليه، وقد روت بعض القصص أن والد العروس كان يجهزها بما يتناسب ثرائه، أو يوصي لها ببعض أملاكه بمناسبة زواجها، وأن العروس كانت تتلقي هدايا ذويها ومعارفها، وتُزف إلي دار عريسها في المساء في احتفال ما بطبيعة الحال، وعقب الاتفاق على شروط الزواج تقدم دبلة الخطوبة المصنوعة من الذهب، والتي كان يُطلق عليها “حلقة البعث”، وكانت ترتديها العروس في اليد اليُمنى وتُنقل بعد الزواج إلى اليد اليسرى، وهو ما يحدث في مصر إلى الآن.

هل كان هناك ما يُعرف بقائمة المنقولات التي تتضمن حقوق الزوجة؟

الزواج الفرعوني كانت له قواعد وأعراف لا تزال آثارها متواجدة حتى الآن، فقد عرف المصريون القدماء ولي العروس والعقد والمهر والقائمة والمؤخر، وكان الزواج في مصر القديمة يتم على أساس عقد مكتوب، تكتب فيه حقوق الزوجة ومهرها ومعاشها أي كل التفاصيل التى تكتب اليوم، وكانت هناك قواعد يجب اتباعها قبل الزواج.

وماذا عن المهر ومؤخر الصداق؟

نجد أن المصريين القدماء عرفوا المهر، ونجد أن المهر كان يُسمى بـ “شبن سحمة”، أو “هبة البكر”، وهو صداق يتناسب مع مستواهما وعصرهما، سواء كان معجلا أو مؤجلا، وتدخل الزوجة بيت الزوجية بمنقولات مناسبة تسمى “نكتون إرحمة” أو “نكتون سحمة”، تمثل أمتعتها أو جهازها الذي تحتفظ بملكيته الخاصة، ويحق لها استرداده إذا ما طلقها زوجها أو مات.

 

ما حقوق الزوجة في حالة الطلاق؟ وما ضمانات الحصول على هذه الحقوق؟

أولاً كان الزواج يلتزم بتجهيز منزل الزوجية، وكانت الزوجة تساعد في ذلك على حسب مقدورها، وعند الانتهاء من تجهيز منزل الزوجية، يتم كتابة كل شيء تفصيليلاً، وهو ما يطلق عليه في عصرنا الحالي “قائمة المنقولات”، حيث نجد أنه كان من حق الزوجة في حالة الطلاق بإرادة الزوج، أن تحصل على منقولاتها التي اعترف بها الزوج في عقد الزواج، فضلاً عن حصولها على ما يُعرف بتعويض متفق عليه في بداية الزيجة، إلى جانب الحصول على ثُلث الثروة المشتركة التي كونها الزوجان خلال فترة زواجهما، أما في حالة رغبة الزوجة في الطلاق، فكانت تحصل على كامل الحقوق باستثناء التعويض، الذي تحصل على نصف قيمته فقط، أما لو كان الطلاق بسبب ارتكاب الزوجة جريمة الزنا وثبوت ذلك بالفعل، فكانت تحصل فقط على منقولاتها التي أسهمت بها في تأسيس منزل الزوجية، وتُحرم من جميع الحقوق الأخرى.

ما هو متوسط عمر الزواج في مصر الفرعونية بالنسبة للبنت والولد؟

نصت إحدى البرديات على عرض للزواج، وكان العريس في سن العشرين، بينما كانت العروس في سن الرابعة عشر، وكان الزواج المُبكر مستحباً في أغلب الحالات طالما توافرت له أركانه الأساسية.

 

كيف كان يتم عقد القران؟ وهل كان يقوم بهذه الخطوة كاهن أم رجال الدين في مصر القديمة؟

إجراءات عقد القران كان تُجري بصيغ الإيجاب والقبول، فيقول العريس لعروسه “اتخذتك زوجة” وهي تقول في حالات خاصة “اتخذتك زوجا”، ويتم الاتفاق بالنص على قيمة الصداق من الأوزان الفضية والأشياء العينية من قبِل العريس، والتزامه بإعالة العروس في حضوره وغيابة والإقرار بحق أبنائه منها في وراثته، ثم تقرير مؤجل مُناسب أو تعويض يدفعه إليها إذا انفصل عنها، مع حدوث التراضي على ذلك كله بشهادة الشهود من الأقارب والجيرة والأصدقاء، قل عددهم أو كثُر وبهذا تكتمل أركان العقد، وأشارت بعض وثائق العقود المتأخرة إلى أن تدوين العقد أو تسجيله وإقرار الالتزمات المالية بين الزوجين لم يكن من المحتم إتمامه قبل الزواج، وإنما قد يتم بعد حدوثه، وتشابهت صيغ العقود في أركانها الرئيسية، ولكنها لم تكن تلتزم دائماً بصيغ ثابتة فيما يختص بتفاصيلها التي قد تتفاوت فيما بينها إلى حد ما باختلاف العصور وتفاوت ثقافة الكتبة والمستوى الاجتماعي للعروسين.

ما هي البنود الرئيسية التي كانت تتضمنها عقود الزواج المكتوبة في مصر الفرعونية؟

يعود أقدم نص يمكن الاطلاع عليه إلى عام 590 قبل الميلاد، حيث عُثر على عقد زواج مكتوب بالخط الهيراطيقي في جزيرة “الفنتين” جنوبي مصر، ويعود إلى عهد الملك “نختنبو الثاني” في الفترة من “359:341 ق.م” وهو محفوظ في المتحف المصري بالقاهرة، فضلا عن عقد زواج مصري آخر مكتوب باللغة اليونانية، يرجع إلى عام 311 قبل الميلاد، ويتضمن العقد بنودا تصل أحيانا إلى نحو 20 بندا، تحدد شكل العلاقة بين الزوجين تفصيلا مثل التاريخ، الإعلان “الإشهار”، وطرفي عقد الزواج، وهدية الزوج “المهر”، والمعيشة، والضمان، والانفصال، وحماية الأطفال، والقسم “التعهد”، ومتعلقات شاركت بها الزوجة في المنزل، والمتعلقات المشتركة بين الزوجين، وممتلكات من الوالدين من ميراث، والرهن، والتعويض في حالة الانفصال، والإقرار الختامي، وكاتب العقد، والشهود.