أكذوبة الزئبق الأحمر

كتبت: نورهان عماد

ارتبطت الحضارة المصرية طوال تاريخها ببعض الأساطير التي أثارت فضول البسطاء، حيث لايزال يعتقد الكثيرون في وجود مادة غامضة تسمى الزئبق الأحمر، وهذه المادة وفقاً للاعتقاد الشائع، كان يضعها الفراعنة داخل المومياوات الملكية حتى تساعدهم على البعث والنشور في العالم الآخر.. وهو ما نفاه كافة علماء المصريات، حيث أكد الدكتور زاهي حواس، في أكثر من مناسبة أنه لا وجود لمادة تسمى الزئبق الأحمر، محذراً من استخدامها كإحدى أدوات النصب والاحتيال.. فمن أين جاءت هذه الأسطورة؟ وهل هناك جوانب غامضة في هذه القصة؟ 

في تصريحات صحفية سابق، قال الدكتور زاهي حواس: “فيه ناس بتقول إن الشخص لو أخذ الزئبق الأحمر من حلق المومياء هيسخر الجان، وهيعمل اللي هو عايزه.. ودي حاجة مش موجودة بالأساس، فليس هناك أثر لشيء يدعى الزئبق الأحمر في المقابر، والذي يعتقد البعض أنه يجلب ثروات عديدة لهم ويشفيهم من الأمراض وجميعها خرافات”.

ويتردد على موقع التواصل الاجتماعي وبين تجار الآثار المحتالين أن سعر جرام الزئبق الأحمر يتجاوز الـ 40 مليون دولار! وخاصة الزئبق الروحاني الذي كان يُستخدم في عمليات التحنيط، وكان كهنة التحنيط يضعونه في حلق المومياوات الملكية تحديداً، وذلك وفقا لما يُشاع حول ذلك.

لكن يبدو أن القصة لها أصل، حيث قال د. أحمد عامر، الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات، إن “الزئبق الأحمر” عبارة عن مادة غامضة يظهر الحديث عنها مع الاكتشافات الأثرية المهمة، وسط اعتقاد عام بأنها مادة ذات قوى خارقة، لكن الحقيقة أن الزئبق الأحمر الحقيقي مجرد مادة تغير لونها بالأكسدة، وليس له علاقة بالمومياوات المصرية القديمة، وكل ما يتم نسجه حولها هو بغرض النصب والاحتيال على البسطاء.

وأشار عامر إلى أن قصة الزئبق الأحمر تعود إلى بداية الأربعينيات من القرن الماضي، عندما عثر الباحث الأثري زكي سعد على زجاجة تحوي سائلاً ذي لون بني يميل إلى الإحمرار، أسفل مومياء “آمون_تف_خت”، وهو قائد الجيوش المصرية خلال عصر الأسرة السابعة والعشرين، والذي تم تحنيط جثمانه في تابوته داخل مقبرته نتيجة عدم التمكن من تحنيطه خارجها لأسباب سياسية أحاطت به في عصره، وربما يفسر ذلك وجود هذا السائل داخل مقبرته.

ومن الناحية الكيميائية، فإن الزئبق في حد حد ذاته مادة موجودة في الطبيعة، وعندما تتأكسد تتحول للون الأحمر، وقد تم استخدام مصطلح الزئبق الأحمر كرمزٍ في برنامج الأسلحة النووية منذ خمسينيات القرن الماضي لوصف الليثيوم المخصّب (Enriched Lithium-6) المستخدم لإنتاج التريتيوم والمواد النووية الحرارية، واستُخدم كرمزٍ لذلك لأن شوائب الزئبق الأحمر كانت تُلوّث الليثيوم-6 أثناء عملية الإنتاج، وتصبغه باللون الأحمر.

وعادة ما توجد المادة الخام للزئبق في الصخور المحيطة بالنشاطات البركانية خاصةً الحديثة منها، أو بالقرب من الينابيع الساخنة والمنافذ البركانية الصغيرة، ويتميّز هذا النوع من الزئبق بلونه الأحمر، حيث استُخدم منذ آلاف السنين في الصباغة وصناعة الحلي والمجوهرات في العديد من أنحاء العالم، ولكن توقف استخدامه في الآونة الآخيرة بسبب سُميّته الشديدة.

وتابع عامر أنه عقب هذا الكشف بدأ الحديث عن الزئبق الأحمر، ولا يزال هذا السائل محفوظاً في زجاجة تحمل خاتم وشعار الحكومة المصرية، وتوجد داخل متحف التحنيط في مدينة الأقصر، حيث تعتبر هي السبب الرئيسي في انتشار كل ما يُشاع عما يسمى بـ “الزئبق الأحمر المصري”، ونجد أن المقبرة وجدت بحالتها حيث لم تُفتح منذ غلقها، أي أن الزجاجة بالسائل من وضع الأقدمين، وأنه عندما تم تحليل السائل فقد وجدوا أنه يحتوي على ٩٠.٨٦% سوائل آدمية تضم ماءً ودماً وأملاحاً وأنسجة رقيقة، و ٧.٣٦% أملاحاً معدنية كملح النطرون، و٠.١٢% محلول صابوني، و٠.٠١% أحماض أمينية، و١.٦٥% مواد تحنيط راتنج، وصمغ، ومادة بروتينية.