إحياء الموسيقى الفرعونية.. عروض وآلات وأناشيد خاصة

إعداد: هاجر عامر

كان المصري القديم فناناً بالفطرة، حيث تخبرنا المقابر والمعابد والنقوش المختلفة عن أشكال عديدة من الفنون مثل الموسيقى، وهناك أعمال فنية تمثل معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معانِ، حيث يظل الإنسان عاجزاً عن معرفة أسرار هذا الحضارة وكيف أبدعت كل هذه الفنون بهذه الدقة والروعة، وهو ما نستعرضه في التقرير التالي:

كانت الموسيقى والغناء فى حياة المجتمع المصرى القديم تشكل اهتماماً كبيراً منذ عهد الأسرة الفرعونية الأولى عام 3400 ق.م. وتشير الدراسات إلى أن الكهنة وكبار رجال الدين والدولة وعلى رأسهم الملك الإله الفرعون كانوا يولون جميعا الموسيقى عناية خاصة لما لها من ارتباط وثيق بالحياة الدينية ودورها الأساسى الذى تشارك به فى إقامة الطقوس والعبادات ومصاحبة الترانيم والصلوات الدينية.

وقد حظيت الموسيقى فى حياة الفراعنة بقدر كبير من التكريم، حيث أسندت الدولة مسئولية رعاية هذا الفن الى الكهنة، ويعكس ذلك مدى احترام وتقديس المجتمع المصرى القديم بكل طبقاته لهذا الفن، ومن أبرز السمات الموسيقية داخل قصور الملوك تميزها بالهدوء والرقى كما ان السمة العامة فى تشكيل الفرقة الموسيقية غلب عليها الشكل الثنائى.

وقد استدل علماء التاريخ والمصريات، على أن المصري القديم كان صاحب عاطفة جياشة، عبر ما تركه من رسم لآلاته الموسيقية على جدران المعابد، ووفقاً للدكتور عبدالرحيم ريحان، الخبير الأثري، وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ومدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن المناظر الجدارية تبين لنا عروضًا موسيقية بداية منذ عصر الأسرة الثانية عشرة، وهي عروض فنية كان يحضرها الكبراء والنبلاء، هذا بخلاف الموسيقى والترانيم الجنائزية التي كانت تلحن في المواكب والأعياد الدينية، وقد تعددت الآلات الموسيقية التي استخدمها المصريون القدماء كالقيثارة ذات الأوتار الثلاثة، والدف الذي يستخدم لضبط الإيقاع، والبوق الذي استعمل في نداءات الحروب والاحتفالات، والناي، والنفير وهو آلة نفخية مكوّنة من أنبوب مستقيم أو مخروطي، وأخيراً الطيبوني أو (الهارب) بأوتاره العشرة، فضلا عن آلات أخرى مثل الكنارة والليرا وغيرها، وقد أبدع المصري القديم مقطوعات موسيقية جميلة. 

وتواجد الموسيقيون المحترفون على عدد من المستويات الاجتماعية في مصر القديمة. ربما كانت أعلى مكانة تخص موسيقيي المعبد؛ وكانت وظيفة “الموسيقي” تسمى (شمايت) باللغة المصرية القديمة. وكان الموسيقيون المرتبطون بالأسرة الملكية يحظون بتقدير كبير، وكذلك بعض المطربين الموهوبين وعازفي القيثارة. وكان الموسيقيون الذين لعبوا دور الترفيه في الحفلات والمهرجانات، في كثير من الأحيان برفقة الراقصين، أقل نفوذا ومكانة إلى حد ما على المستوى الاجتماعي.

ونقلت لنا جدران المعابد إشارات لبعض الأغاني الشعبية وغير الرسمية؛ لكن المصريين القدماء لم يقوموا بتدوين موسيقاهم قبل العصر اليوناني الروماني، لذا فإن محاولات إعادة بناء الموسيقى الفرعونية تظل تخمينية. ويمكن أن تعطي الأدلة التمثيلية فكرة عامة عن صوت الموسيقى المصرية، ومما يزيد من صعوبة استعادة روح الموسيقى الفرعونية ومحاولة الاستماع لها مجددا أنه لا يوجد أي أثر أو نقش – حتى الآن – يشير إلى نوتة مسجلة للموسيقى المصرية، إلا أن المحاولات لا تتوقف لإعادة إحياء هذه الموسيقى وهو ما رأيناه في موكب المومياوات وحفل افتتاح طريق الكباش، فضلا عن الدور الذي قامت به الترانيم القبطية في الحفاظ على روح هذه الموسيقى في الكنائس المصرية. 

وعلى الرغم من أن الموسيقى كانت موجودة في مصر في فترة ما قبل التاريخ، إلا أن الدليل على ذلك أصبح مؤكداً في عصور الأسرات أو بداية من 3100 قبل الميلاد. وقد شكلت الموسيقى جزءًا مهمًا من الحياة المصرية، وشغل الموسيقيون مناصب مختلفة في المجتمع المصري. ووجدت الموسيقى طريقها إلى العديد من السياقات في مصر: المعابد والقصور وورش العمل والمزارع وساحات القتال والمقابر. وكانت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من العبادة الدينية في مصر القديمة ، لذا فليس من المستغرب وجود آلهة مرتبطة تحديدًا بالموسيقى، مثل حتحور وبس (كلاهما ارتبط أيضًا بالرقص والخصوبة والولادة).

وتم تمثيل جميع الفئات الرئيسية للآلات الموسيقية (إيقاع، أوتار) في مصر الفرعونية. وتضمنت آلات الإيقاع الطبول اليدوية، والصاجات، والأجراس. كما تم استخدام التصفيق اليدوي لضبط الإيقاع. وتضمنت آلات النفخ المزامير (المزدوجة والمفردة) والأبواق. وتضمنت الآلات الوترية القيثارات. وكانت الآلات تُكتب في كثير من الأحيان باسم صاحبها وتزين برسوم للإله (حتحور) أو إله الموسيقى (بس). كما تم استخدام أصوات الذكور والإناث بشكل متكرر أيضًا في الموسيقى المصرية.