"ملف": الأفروسنتريك .. أخطر مؤامرة للسطو على الحضارة المصرية

كتب: عبدالرحمن حسني

محاولات سرقة الحضارة المصرية والسطو عليها لم تتوقف على مدار التاريخ، فهناك من يشككون في قدرة المصري القديم على بناء الأهرامات، وهناك من ينسبون هذه الحضارة للكائنات الفضائية، لكن المحاولة الأكثر خطورة هي “الأفروسنتريك”، وهي منظمة عالمية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية وتتكون من “الأفرو أمريكان”، أو الأفارقة الأمريكان، وهذه المنظمة تزعم أن الأفارقة هم أصل الحضارة وهم أصل المصريين وهم الذين صنعوا الحضارة المصرية، وأصبح لهذه الحركة انتشار واسع بين الجاليات الأفريقية في أوروبا وحتى سكان قارة أفريقيا أنفسهم، ويزعم الأفروسنتريك أن الفرعون المصري أصله من السودان، وأن المصري الحالي ليس له علاقة بالمصري القديم.. في التحقيق التالي وما يرتبط به من موضوعات ذات صلة حاولنا أن نرد على هذه المزاعم:  

في البداية، نشأت حركة الأفروسنتريك سنة 1928، وانتشرت على نطاق واسع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهي حركة تقوم على التعصب العرقي للجنس الأفريقي أصحاب البشرة السوداء، ويحاولون السطو على الحضارة المصرية، هذا ما يؤكد لنا الدكتور محمد فتحي، الخبير الأثري والباحث في علم المصريات، حيث يقول: إن مصطلح علم المصريات تم صياغته في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك في ظل الاستعمار البريطاني في مصر تحديدا، ويُقصد بعلم المصريات العلم الذي يدرس الحضارة المصرية القديمة فقط حتى نهاية الأسرات، وتجاوزاً من الممكن أن نمد هذه الفترة إلى نهاية العصر اليوناني والروماني، والمقصود من ذلك أنه ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي هذا هو علم المصريات وبدءاً من منتصف القرن التاسع هذا يعتبر غزو واحتلال، وبالتالي عندما ظهرت منظمه الأفروسنتريك بدأوا يشككوا في الأصول المصرية القديمة ليؤكدوا نظريتهم التي تزعم أن المصريين الحاليين ليسوا من أصول مصرية، ولا ينتمون للمصريين القدماء، كما يزعمون أن المصريين القدماء أصلهم أفريقي وخاصة أفريقيا الوسطى أو شرق أفريقيا وبدأوا ينشرون نظريتهم في إطار واسع وتم تمويلهم بأموال ضخمة، وطبعا الزعم بأن هذا الجيل القديم الذي صنع الحضارة أصله أفريقي هو محاولة لطمس الهوية المصرية وربما التبرير لاحتلال مصر مستقبلا. وردا على هؤلاء الذين يزعمون بأن الأفارقة هم الذين بنوا الحضارة المصرية القديمة، نقول لهم لماذا لم تبنوا مثلها في أفريقيا، وقد زعموا أيضا أنهم أصل النيل ويريدون أن يمنعوا النيل عن مصر، لكن المؤكد أن الحضارة المصرية هي هبة النيل، والنيل موجود أيضا في أفريقيا فلماذا لم يكن هناك حضارة في أفريقيا مثل التي وجدت في مصر.

ويؤكد فتحي أن منظمة اليونسكو رفضت هذه المزاعم وهذه الآراء الكاذبة، ولذلك لجأوا لاستغلال بعض المشاهير للترويج لهذه الأفكار كالفنانين ومنهم كيفن هارت ولذلك لشعبية الفنانين الكبيرة، ولكن كل هذه المزاعم فاشلة وستظل الحضارة المصرية مبعثا للفخر، كما ستظل المعابد والنقوش تؤكد أن المصري القديم هو صاحب هذه الحضارة العريقة التي لاتزال صداها قائمة حتى اليوم.

أما الدكتور بسام شماع، الخبير الأثرى، فيؤكد أن الحضارة المصرية ستظل معرضة للتشوية الخارجى، لأنها أعرق حضارة بشرية مرت على تاريخ الكرة الأرضية حتى وقتنا هذا، وهذا بشهادة علماء الغرب كما وجدنا في كتاب “فجر الضمير” للعالم “جيمس هنري برستد”، والذي تحدث فيه عن التأثير الأخلاقي والقيم التي قدمتها الحضارة المصرية للعالم كله، فهذا النجاح سبب حالة من الشعور بالغيرة والحقد، ولذلك يحاولون تشويه هذه الحضارة، ويحاولون أن ينسبوها لأنفسهم، وهناك علم من فروع علم المصريات يحدد الأجناس التي عاشت في مصر على مر العصور، ويشرح طبيعة المجتمع قبل عصور الأسرات، وثبت فيه أن المصريين وجدوا على هذه الأرض منذ آلاف السنين، والدليل على ذلك إحدى الاكتشافات مثلا في الدقهلية ويرجع هذا الاكتشاف إلى 30 ألف سنة أي ما قبل الأسرات، وهذا يؤكد أنه كان يوجد بشر يسكنون هنا قبل 30 ألف عام، وبالتالي هم من بنوا هذه الحضارة، ونحن لدينا نفس جينات المصريين القدماء ولا دخل للأفارقة بمصر القديمة، كما أن لهجتنا العامية هي أكبر دليل على مصريتنا فهي عبارة عن مزيج بين اللغه العربية واللغة القبطية، كما أن المصري الحديث يتشابه كثيرا مع أجداده المصريين القدماء، حيث إنه يتمركز حول نهر النيل كما فعلوا قديما، لأن النيل بالنسبة للإنسان المصري هو شريان الحياة، وإن المصريين القدماء ليسوا مهاجرين أغراب ولكن هم الشعب الأصلي لهذه الدولة، وكانوا يعمرون بلدهم ويعيشون حول النيل ليزرعوا ويصنعوا طعامهم بأنفسهم، ويستخرجوا الحديد والنحاس ويصنعوا الأدوات، فكانوا يبنون حضارتهم بأنفسهم.

ويضيف الشماع أننا عندما ننظر إلى ديانة المصري القديم فهو كان يؤمن بالتوحيد وليس الوثنية لأن هذا خطا شائع ويشوه الحضارة المصرية والديانة المصرية القديمة لأن المصري القديم هو أول من آمن بالتوحيد الإلهي في العالم، أي أنهم أول شعب آمن بالله وبالعالم الآخر وبوجود الجنة والنار ووجود السبيل للوصول إلى الجنة، من خلال أن تعيش إنسانا راقيا وملتزما بالقوانين وأن تعيش مسالما، وبهذا يستطيع أن يستمتع بالحياة الأبدية في العالم الآخر. وبعدما دخلت المسيحية إلى مصر آمن المصريون بها لأنها ديانة سماوية، فكانت مصر تاج المسيح ومأمنا للمضطهدين من الروم، لدرجة أن أغلب الكنائس موجودة في وجه قبلي في صعيد مصر، وعندما دخل الإسلام مصر اعتنقه  المصريون لأنه دين سماوي أيضا، فالمصري لا يتأثر بأي ثقافه بل يأخذ الملائمة له ولأفكاره هو وآبائه وأجداده. وبالنسبة لنقطة إن الفراعنة أصلهم أفارقة، فإذا نظرنا إلى مناخ مصر سنجده يختلف من منطقة لأخرى فهناك تنوع جغرافي كبير في مصر، وذلك التنوع يؤثر بشكل كبير في ملامح المصري من منطقه لأخرى فمثلا في الجنوب في أسوان نجد البشرة السمراء، إنما في الشمال تكون البشرة فاتحة، ولكن في النهاية جميعهم مصريون.

ويذكر الدكتور عماد مهدى، عضو اتحاد الأثريين، أن البلدان قديماً لم تعرف الحدود، ولكن مصر هي أول دولة استخدمت الحدود فأسست مملكة موحدة وهي مصر والدليل على ذلك أن المصري القديم شيد الأبراج والحصون لكي يحمي نفسه، وهذا كله ينفي أن مقولة مصر القديمة شيدها الأفارقة، ولكن إنجازات الحضارات الأفريقية أو البلاد أو الممالك الأفريقية  لها علاقة بالعلم المصري القديم والحكمة المصرية القديمة، وذلك بسبب الانفتاح والتجارة وتأثرهم بالثقافة المصرية، كما تأثرت أيضا الحضارة البابلية في العراق، والحضارة الفينيقية في اليونان، والرومان، وشمال السودان بالمصريين القدماء بالرغم من المسافة البعيدة بينهم وبين مصر. ولكن هذا التأثير المتبادل لم ينتج عنه نسخ طبق الأصل، فمثلا يوجد في شمال السودان 200 هرم ولكنهم ليسوا بنفس الشكل أو الحجم لأهرامات الجيزة، وهذا الاختلاف يعود للأشخاص الذين بنوا، فكان المصريون القدماء متميزين عن غيرهم.