د. هاني سيد حافظ:70% من الملامح متشابهة بين المصريين المعاصرين والقدماء

تقرير: نورهان عماد

جهود العلماء المصريين للكشف عن الخريطة الجينية للشعب المصري لم تتوقف للاستفادة بها في جوانب عديدة، حيث يقول د.هاني سيد حافظ، أستاذ التشريح المقارن والبيولوجيا الجزيئية، بكلية العلوم جامعة السويس، وأحد أهم الباحثين الذين عملوا في هذا المجال، أن شكل الجمجمة وتركيبها والأطراف العلوية والأطراف السفلية وشكل العمود الفقري لم يختلف بين المصريين الحاليين والمصريين القدماء، مقارنة بينهم وبين الأفارقة إذ أن شكل جمجمتهم تغيرت في الجزئين الأمامي والخلفي، كما أن شكل العمود الفقري اختلف، ومن الناحية الجينية، فقد عملنا أبحاث على سكان محافظة الفيوم وهي من أقدم المحافظات التي سُكنت بالمواطنين وهي بعيدة عن وادي النيل، فكانت كل الخصائص متشابهة بنسبة 70% بين المصريين المعاصرين والمصريين القدماء، أما النسبة المتبقية فقد تأثرت باختلاط المصريين بالأجانب بسبب موقعها الجغرافي.

وأضاف د.هاني أنه من المؤكد والثابت علمياً أن المصريين الحاليين يرتبطون ارتباطا كبيرا بالمصريين القدماء، وأننا بالفعل أحفاد سكان مصر القديمة، وهذا الأمر يرتبط بجين وراثي يسمى “paul” أو المحتوى الجيني للمصريين القدماء، والحقيقة أن وجودنا على هذه الأرض شيء أساسي في التاريخ الإنساني، لأن وجود مصر كان هو الأساس أقدم تواجد أو توزيع سكاني، وذلك من منطلق أن أقدم بشر هم سكان أفريقيا، وبحسب المحتوى الجيني أو الحمض النووي، فإن هذه المجموعات السكانية التي عاشت في أفريقيا عملت (distribution) أي أنها قام بتوزيع نفسها ثم بدأت تحدث عملية تسمى (Peopleation) بمعنى الانتشار والتفرق في مساحات جغرافية أخرى على مستوى العالم، وحتى تخرج هذه المجموعات من أفريقيا، فقد كان هناك ممران: الممر الأول يسمى Livin’ Signin Corridor وهو كان الممر الأساسي، حيث إنهم مروا بالسودان ثم وصلوا إلى مصر ومنها إلى سيناء، ثم انتقلت بعض هذه المجموعات السكانية إلى منطقة الشرق الأوسط، ثم انتقلوا إلى أوروبا، وكانت هناك مجموعات أخرى خرجت من عدن وانتشرت في آسيا، هذا ما حدث للانتشار التدريجي للبشرية في مراحلها الأولى. 

ويذكر د. هاني أن المشروع الجيني المصري يركز على الحمض النووي أو “المايتي كوندريا dna” و”الكروموسومات”، وقد أسفرت هذه الجهود العلمية إلى وجود ارتباط حقيقي ومؤكد بين المصريين الحاليين وسلالة المصريين القدماء، فلو ذهبنا إلى التشريح  الجسماني  للجمجمة والأطراف والجسم سنجد أن هناك تشابه كبير بين الماضي والحاضر وهو ما دلتنا عليه المومياوات، لكن من الناحية العلمية أيضا وجدنا أن المحتوى الجيني ليس واحدا، فمن أكثر الأماكن التي وفرت لنا data للمحتوى الجيني “Mitty chondria dna” هي محافظة الفيوم والجُرنا في الأقصر، وعندما بدأنا ندرس هذا المحتوى الجيني وجدنا محتوى جيني أوروبي، كما يوجد محتوى جيني أفريقي وآخر أسيوي، وهذا أمر طبيعي لأن مصر تقع في شمال أفريقيا، أيضا المحتوي الجيني الأوروبي الموجود في بعض سكان الفيوم يبدو طبيعيا لأن الكثير من المجموعات السكانية مرت من مصر، وكانت هناك هجرات كثيرة للسكان الأوائل على كوكب الأرض إلى مصر، وبعض المجموعات التي هاجرت إلى أوروبا وآسيا مثلا عادت في عصور لاحقة إلى مصر مرة أخرى.   

ويؤكد د. هاني أن الأصل المصري أو السلالة المصرية التي بنت الحضارة لم تنقرض، لكن المحتوى الجيني أصبح أقل تركيزا من السابق بمعنى أنه أصبح  diluted بسبب الهجرات القادمة إلى مصر والتزاوج والاختلاط بالجنسيات والشعوب الأخرى، لكن مع ذلك يبقى الأصل المصري على مدى التاريخ، فمثلا محافظة مثل الفيوم لو نظرنا إلى التتابع الجيني للسكان سنجد أنه متشابه مع سكان الجنوب الأوروبي، وذلك يدل على أن الأساس هي مصر، وأن أصول الكثير من الشعوب الأوروبية والأسيوية تعود إلى أرض مصر، وطبعا نحن عندنا جزء من المحتوى الجيني الأفريقي، لأن المحتوى الجيني الأساسي في هذا العالم خرج من أفريقيا، لكن هذا لا يعني تأكيد مزاعم حركة “الأفروسنتريك”، فالمصريون القدماء ليسوا أفارقة. والمصريون الحاليون لا يمتون بأي صلة بالأفارقة لأن الأفارقة الأصليين لهم محتوى جيني واحد خاص بهم.. وفيما يتعلق بالمحتوى الجيني العربي، فمن المعروف تاريخيا أن سيدنا عمرو بن العاص عندما جاء إلى مصر فاتحا كان بصحبته نحو 5 آلاف جندي، ثم تبعه آلاف آخرون من القبائل العربية المهاجرة، في الوقت الذي كان فيه عدد سكان مصر يتجاوز ملايين، فهل من المنطقى أن يؤثر المحتوى الجيني لعدة آلاف من السكان على المحتوى الجيني لعدة ملايين؟ بالتأكيد لا.. إذن نستطيع أن نقول أن مصر هبة المصريين فعلا، وأن السلالة المصرية أصيلة حتى بالرغم من الهجرات التي جاءت إلى مصر من الجنوب ومن الشرق أو الغرب و حتى من الشمال الأوروبي.