د. عبدالرحيم ريحان: منظمات صهيونية تمول حملات منظمة ضد الحضارة المصرية

تقرير: هاجر عامر - نرمين إبراهيم

ازدادت موجات الإساءة للحضارة المصرية في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول الأسباب، خاصة وإن الإساءة أو محاولات التشويه لم تعد فقط مجرد مقالات أو آراء منشورة هنا وهناك، وإنما أصبحنا نرى حركات وأفلام سينمائية يتم إنفاق ملايين الدولارات لإنتاجها وتسويقها.. فما هي الدوافع التي تقف وراء هذه المحاولات المستمرة ضد الحضارة المصرية؟      

يقول الدكتور عبدالرحيم ريحان، الخبير الأثري، وعضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة التاريخ والآثار، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن السبب الأول وراء زيادة حملات الإساءة للحضارة المصرية يتمثل في الإنجازات المتتابعة فى مجال السياحة، والاكتشافات الأثرية، وافتتاح متاحف جديدة مثل متحف الغردقة ومتحف شرم الشيخ، ومتحف الحضارة. والحدث الأعظم الذى ينتظره العالم يتمثل في افتتاح المتحف الكبير والذى بدأ يحقق طفرة كبيرة فى مجال السياحة، ومن هنا كان من الطبيعي أن يزداد الحقد على مصر. وتبدأ موجات العدائية لتأخذ شكل أعمال فنية تنال من السياحة فى مصر. والسبب الثانى، يتمثل في زيادة نشاط حركة الأفروسنتريك فى الفترة الأخيرة حيث إن بعضهم يأتى بمجموعات سياحية إلى مصر ليروج لهذا الفكر وفكروا منذ فترة فى عقد مؤتمر فى أسوان، وفشل نتيجة الرفض الشعبى. والجهات الساعية لتشويه الحضارعديدة حيث تتمثل في جهات ومنظمات صهيونية تسعى لترسيخ أكذوبة “اليهود بناة الأهرامات” أو نسبها لأى حضارة أخرى أو إلى كائنات فضائية. علاوة على أن الأفروسنتريك يسخرون أشخاصا للعمل لحسابهم فى مصر ويمولونهم بسخاء للانتشار فى الإعلام ودس السم فى العسل. وللأسف تستقبلهم الفضائيات بألقاب منتحلة بعيدة عن عملهم الحقيقى منها عالم مصريات أو مؤرخ وخلافه وأشخاص يعملون فى أماكن علمية مرموقة ويروجون للأفروسنتريك .

ويضيف ريحان أن الأفروسنتريك يدّعون أن المصري الحالي ليس له علاقة بالمصري القديم، وأن المصري القديم مات أو هجر البلاد إلى الجنوب، وإن كل من هم في شمال مصر هم جنسيات كثيرة بعيدين عن العرق المصري، حتى إنهم زعموا إن إحدى ملكات مصر “تي” زوجة أمنحتب الثالث في الأسرة ال١٨ ذات ملامح أفريقية ولون أسود مؤكدين أن المصري القديم كان أسود أفريقي، كما يزعمون أن علماء المصريات الحاليين يقومون بتلوين المقابر باللون الأبيض لتزوير التاريخ، وأنه تم كسر أنوف التماثيل لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي، وفي الحقيقة أن المصرين القدماء كان لديهم عادة كسر أنوف التماثيل لاعتقادهم بأن التماثيل تتنفس وحتى يحجب عنها الحياة يكسر الأنف، وكانت حركة دينية في مصر القديمة.

وامتدت محاولات التشويه والحقد الحضاري إلى تمثال أبو الهول حيث زعموا أن قوم عاد هم من بنوه وأن الفراعنة دفنوه تحت الرمال! ورداً على ذلك يواصل ريحان حديثه قائلاً: كل ما يُثار من الحاقدين على الحضارة المصرية حول أبو الهول ما هي إلا ادعاءات باطلة، فقد اختلف المؤرخون في أصل أبو الهول وأن فكرة اتخاذ الأسد عنصرًا أساسيا في تكوين شكل أبو الهول للتعبيرعن القوة بدأت في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات، واتخذه ملوك وحكام المقاطعات رمزًا للتعبير عن الحاكم القوى ونسب أبو الهول إلى الاسم المصري القديم “جوجون” أي مبعث الرعب، و “بوهول” أي “مكان المعبود هول”. وأقدم اسم أطلق على أبو الهول هو “روتى” المرتبط بإله الشمس الذي يُرمز له بصورة أسد رابض. وفي الدولة الوسطى أطلق عليه “شسب عنخ” أي التمثال الحي، وهو ما نقله هيرودوت إلى اليونانية باسم سفنكس الذي انتشر بهذا الاسم في جميع اللغات، وصنع أبوالهول الموجود في الجيزة الملك “خع إف رع – خفرع” 2625- 2600 قبل الميلاد ليتحدى به كهنة عين شمس. ومعظم ملوك الدولة الحديثة صنعوا لأنفسهم تماثيل على شكل أبوالهول ووضعوها أمام معابدهم لحراستها، ثم انتقلت فكرة أو عقيدة أبوالهول ورمزه إلى مختلف البلاد الآسيوية واليونان وروما في عصور الهكسوس وبابل وآشور. وأصبح لكل منها طابع مميز. واختلف الرأس الآدمي فيها، فعبر عنه كهنة آمون في “طيبة” الأقصر برأس كبش والذي انتقل بدوره إلى البابليين والآشوريين أو رأس إمرأة، كما ظهر في اليونان وروما، وبعدها ظهر فى تماثيل ملكات مصر مثل تي وحتشبسوت ونفرتاري.

واستكمل ريحان حديثه قائلا، إنه بخصوص بناء الأهرامات، فإن قدماء المصريين هم بناة الأهرامات وكل حضارتهم، فنحن أصحاب أول حضارة علمت العالم الكتابة والطب والهندسة وغيرها من العلوم. وقد عُثر على بردية قديمة في وادي الجرف، كشفت الكثير عن كيفية بناء هرم خوفو، أكبر الأهرامات المصرية، وظل حتى العصور الوسطى أكبر هيكل صنعه الإنسان على الأرض. وذكرت البردية قصة أحد المشرفين على فريق يضم 40 من العمال المشاركين في بناء هرم خوفو. وشرح فيها أنه تم بناء سدود ضخمة لتحويل مجرى ماء النيل باتجاه قناة متجهة إلى موقع بناء الهرم، من منطقة طرة إلى منطقة الجيزة، سارت في تلك القناة قوارب خاصة لنقل الأحجار. وأوضحت البردية أن آلاف العمال، بالاستعانة بمعماريين ومهندسين رفيعي المستوى قاموا بالإشراف على البناء، وقد نقلوا 170 ألف طن من الأحجار الجيرية عبر نهر النيل بقوارب خشبية ربطت مع بعضها بالحبال، ثم سارت في شبكة قنوات وصلت إلى قاعدة الهرم. كما إن العالم الأثري، مارك ليهنر، اكتشف دليلًا على وجود مجرى مائي تحت هضبة الجيزة، وقال إن العلماء حددوا حوض القناة الرئيسية التي يعتقد أنها كانت منطقة تسليم الأحجار الأولية في هضبة الجيزة. وهناك علماء أجلاء اكتشفوا مدينة العمال الذين بنوا الأهرامات، وهناك باحث فرنسي اكتشف ميناء خوفو بوادي الجرف على الساحل الغربي لخليج السويس، وقد وجد به وثائق كاملة لبناء الهرم الأكبر تمثل مجموعة من البرديات، أكدت أن المصريين هم بناة الأهرامات، وأن الهرم لم يُبنى بالسخرة، وذكرت كميات التعيين اليومي، وكميات الطعام التى كانت تأتي للعمال، وكيفية نقل الأحجار من المحاجر.

ويؤكد ريحان أن اللون ليست قضيتنا بل الهوية والشخصية المصرية بالأساس. وهو ما قصده فيلم كليوباترا بالفعل من الطعن فى ثوابت الهوية والشخصية والأصول المصرية. وهو ما يجب أن نركز عليه، وهذا ما اتضح فى رد وزارة السياحة والآثار عندما ذكرت مدير عام مركز البحوث وصيانة الآثار بالمجلس الأعلى للآثار الأسبق سامية الميرغني، أن جميع النقوش والتماثيل التي خلفها لنا قدماء المصريين على المعابد والمقابر صورت المصريين بملامح أقرب ما يكون بالمصريين المعاصرين، من حيث لون العين والشعر والبشرة ودرجة نعومة وكثافة الشعر لدى الرجال والنساء، وحتى لون الجلد ووجود نسبة من العيون الملونة. وأنا أقول إن التتابع الحضارى على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة والعصر اليونانى والرومانى ثم المسيحية ودخول الإسلام إلى العصر الحديث والمعاصر ترك أثرًا لا يمكن محوه بسهولة بعد كل مرحلة، سواءً استمر لفترة أو امتد لعدة قرون، فتأثرت وأثرت وانصهرت كل الحضارات لتصبح مصرية خالصة، وازدهرت الحضارات والصناعات واللغات والأديان، وفى خضم كل هذه التغيرات حافظ المصرى على هويته وتمسك بإرثه الحضارى الذى يتجسّد حتى الآن فى اللهجة والثقافة والعادات والتقاليد والموروثات الشعبية، فالأسس التي وضعتها الحضارات القديمة، لا تزال حاضرة في المجتمع المصري، وهذا يعكس الروح القوية والمتينة التي تميز هذا الشعب على مدى قرون طويلة.